تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة التوبة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 08 - 2010, 03:55 م]ـ

ومن قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:

فذلك من الشرط في معرض بيان مقادير الأعمال وأحكام الجنايات، فنكث اليمين: جناية عظيمة، والمراد بالأيمان هنا: أيمان العهد التي عقدتها قريش مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما ذكر ذلك البغوي، رحمه الله، فتكون "أل" في "الأيمان" على هذا الوجه: عهدية ذهنية تشير إلى معهود بعينه هو يمين العهد، لقرينة السياق فالآيات قد جاءت بيانا لأحكام المشركين والمعاهدين في جزيرة العرب بعد ظهور الإسلام، وقوله: "من بعد عهدهم": دليل آخر من السياق يدل على إرادة العهود بالأيمان، فيكون ذكر الأيمان من باب التنويع اللفظي، فذلك ألطف وقعا في سمع المخاطب، فإن نكثوا عهودهم فذلك عموم مجمل عطف عليه صورة من صوره، وهي: الطعن في الدين، فذلك من الخصوص المبين للعموم، وللطعن صور عديدة أظهرها في زماننا: الطعن في الدين استهزاء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسبا له، سواء أكان الساب كافرا أصليا في ديار الغرب أو حتى في ديار الإسلام التي استطال فيها الكفار، لا سيما أهل الكتاب، على أركان الملة وثوابت الديانة، حتى بلغت الوقاحة حد التعرض لمقام النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالطعن والتنقص، والحال أبلغ شاهد على تلك الفضيحة التي أبانت رقة، بل ربما عدم، ديانة كثير من المنتسبين إلى الملة الخاتمة، فالمصالح والتحالفات المشبوهة أولى بالرعاية من عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتلك أظهر صورة من صور هذا الطعن الذي تعددت ضرباته وظهرت آثاره في السنوات الأخيرة، ومنه، أيضا، الطعن في الديانة بالاستهزاء بأحكام الديانة وشعائرها، أو الاستهزاء بالكتاب العزيز .... إلخ من الثوابت التي هانت على أهل الإسلام قبل أن تهون على أهل الكفران، فما تجرأ الأراذل على سب الديانة إلا بعد أن سببناها، فلا تكاد تجد أمة يسب أبناؤها دينهم كما يسب فئام من هذه الأمة دينها لأتفه الأسباب، بل ربما كان السب من قبيل الدعابة!، فيجري السب مجرى التنكيت!، فصاحبه من أهل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، وما تجرأ أولئك على الطعن في أحكام الشريعة استهزاء وانتقاصا إلا بعد استعلن أفراخ العلمانية بالطعن في الدين، فصارت طريقتهم حجة للكفار الأصليين، فإذا احتج العلمانيون بمكافحة الإرهاب والتطرف فتلك حجة الآخرين، فهم أحرص على السلم الاجتماعي في بلاد المسلمين من المسلمين!، فأبوا إلا المشاركة في تلك المعركة المحتدمة بين قوى النور والتسامح وقوى الظلام والتطرف!، والشاهد أن صور هذا الطعن هي الأخرى تتعدد، فمنها السب، ومنها الاستهزاء ..... إلخ، فيكون العطف، كما تقدم، عطف مبين على مجمل، مع كونه في نفسه تتعدد صوره، فما نص عليه المفسرون من صور الطعن يجري، أيضا، مجرى التمثيل لمعنى عام بذكر بعض أفراده، فلا يخصصه، فمن ذلك قول القرطبي رحمه الله:

"استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين، إذ هو كافر. والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين، لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير