تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من نصوص التفكر]

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 03:56 ص]ـ

[من نصوص التفكر]

قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا":

فذلك من الأمر الذي يفيد بمادته المعجمية الإيجاب الملزم، وذلك متحقق في هذا السياق، فالتفكر من العبادات التي فرضت برسم الوجوب وإن لم يكن لها هيئات وماهيات كسائر الشعائر التعبدية، فالنظر والتدبر من أعمال الباطن، وأعمال الباطن مما لا يمكن حده حد الشعائر الظاهرة، فعمل الباطن بالتفكر والتدبر أمر يتفاوت في قدره ووصفه بتفاوت أعيان المكلفين فذلك مما يعجز البشر عن حده، فلا يعلم ما في القلوب من العلوم والإرادات إلا الرب، جل وعلا، ولا يعلم البواعث الدقيقة على العمل الظاهر إلا بارئ القلوب ومدبر أمرها بمدد العلم والإرادة، فتظهر آثار ذلك على عمل الجوارح فذلك من التلازم العقلي الوثيق، فالعمل قد يمكن تعيين ماهيته المطلقة: تفكر، صلاة، زكاة ....... إلخ، وأما تعيينه في الخارج بتعيين قدره وأوصافه التي يتفاوت فيها المكلفون بتفاوت أعيانهم، فصلاة زيد تباين صلاة عمرو، وإن كان كلاهما مصل، ذلك التعيين في الخارج لا سيما في أمر القبول أو الرد تبعا لما يقوم بالقلب من إخلاص أو نفاق أو رياء ينقض أصل العمل، أو رياء ينقض كماله فيقل الثواب ولا يحبط العمل ....... إلخ، ذلك التعيين مما لا يقدر عليه بشر مهما أوتي من ذكاء وآلات قياس، فآلات القياس تصلح لتعيين أقدار وأوصاف المحسوسات في الخارج لا المعقولات في الباطن فتلك مما لا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، وذلك من وجه: قدر فارق بين مقام الربوبية لا سيما ربوبية العلم برسم الإحاطة، فـ: (إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، ومقام العبودية فلا يدرك العباد من بعضهم إلا ما يظهر على جوارحهم فلا يجوز الحكم بالظن ما لم تقم قرينة تصيره علما جازما، ومن آخر: رحمة من الرب، جل وعلا، أن أخفى ما في الصدور من الحركات والإرادات الدقيقة وإن افتضح كثير منها على فلتات اللسان والجوارح ولكن ما خفي كان أعظم!، فالحمد لله الذي حجب كثيرا من خبايا النفوس وإلا ما صفا لأحد خليل أو صديق، ولذلك كان من الحكمة، كما يقول بعض أهل العلم، ترك التفتيش في أحوال ودقائق الأصحاب فذلك مما يفسد الود فلا بد أن يعثر من فتش على خبايا منفرة ووجوه نقص تؤلب النفوس وتغير القلوب، فخذ ما ظهر ودع ما خفي إلا أن تقوم قرينة تستوجب الحذر فـ:

كن على حذر للناس تستره ******* ولا يغرك منهم ثغر مبتسم.

فتفكروا برسم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)، فذلك من جملة الآلاء الكونية، فينزل منزلة بيان مجمل الآلاء المذكورة في الحديث، فيكون من بيان مجمل السنة بالكتاب، واختصاص السماوات والأرض بوصف الآيات، لا يقصره عليها، فذلك من قبيل ذكر بعض أفراد العام في معرض بيانه، فبالتمثيل يحصل في الذهن صورة علمية للمعرف، وإن لم يحط الذهن بكل أفراده، فالعقل لا يقدر على الإحاطة بكل آيات الكون، فمن ذا الذي يحصي آثار قدرة وحكمة ورحمة الرب، جل وعلا، في الكون، فتفكروا في الآلاء الكونية برسم: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)، فانظروا إلى أجرام السماء والأرض، بالبصر المحسوس، فتعدي النظر بـ: "إلى" ينصرف بداهة إلى رؤية البصر المحسوس، وانظروا فيما في السماوات والأرض فتعدي النظر بـ "في" ينصرف إلى رؤية البصيرة المعقولة، فانظروا في الآية قد أطلقت، فصارت مجملة من هذا الوجه، فتحتمل التعدي بـ: "إلى"، أو: "في"، فذلك من الاشتراك اللفظي الذي وقع فيه الإجمال بإطلاق العامل فيحتمل التعدي، كما تقدم، بأكثر من واسطة، فهو من قبيل إطلاق عامل الرغبة في قوله تعالى: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فتحتمل التعدي بـ: "في" إقبالا، أو: "عن" إدبارا، ولا يمتنع، عند التدبر والنظر، الجمع بين النظرين فكلاهما يستقيم به السياق بحمله على معنى صحيح بل ذلك مقتضى الترتيب العقلي، فالعين هي أول مدارك الحس الظاهر في باب التفكر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير