[الفرق بين تعدية الفعل (أتى) بنفسه وبـ (على) في القرآن]
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 10:46 م]ـ
الإتيان:"هو مجيء بسهولة. ومنه قيل للسّيل المارّ على وجهه: أَتِىُّ، وأَتاوىٌّ." - بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز - (1/ 407)
تعدى الفعل (أتى) في القران على وجهين:
1 - تعدى بنفسه كقوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا [الكهف: 77] وقوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16]
2 - وتعدى بـ (على) وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان: 40] وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ [النمل: 18]
فأما تعديته إلى مفعوله بنفسه فهو أكثر ورودا في القرآن وهي الأصل في هذا الفعل وهذه التعدية تفيد معنى المجيء فحسب.
وإذا كان الفعل أتى يدل على معنى المجيء في الأصل، فإن تعديته بحرف الجر (على) , يدلنا على قدر زائد في معنى الإتيان.
والقرية قرية قوم لوط, المعروفة بسدوم, والفاعل في (أتوا) عائد على كفار قريش.
وللعلماء في معنى هذه التعدية بـ (على) في الآيات السابقة, ثلاثة أقوال:
القول الأول: إما أن إتيانهم كان من مكان عالٍ؛ إذ إن الحرف (على) يفيد الاستعلاء. وتعدية الفعل به دون غيره يدل على ذلك؛ إذ لو كان المراد مجرد الإتيان لعدي الفعل (أتى) بنفسه, أو بحرف الجر إلى.
القول الثاني: أن يكون المرادُ قطعَهم لذلك الوادي، أو القرية، فإن العرب تقول أتى على الشئ، إذا قطعه وبلغ آخره.
القول الثالث: تضمين الفعل (أتى) معنى (مروا) فعُدّيَ تعديته. و (مر) يتعدّى بحرف الجر (على) في الغالب. [- انظر تفسير البيضاوي - (1/ 262) و مفاتيح الغيب - (24/ 161) و الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل - (3/ 360)]
قال الطاهر بن عاشور عند قوله تعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف: 138]:" و {أتوا على قوم} معناه أتَوْا قوماً، ولما ضمن (أتَوْا) معنى مروا عدي بـ (على)؛ لأنهم لم يقصدوا الإقامة في القوم، ولكنهم ألْفَوهم في طريقهم" -[التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (9/ 80)]
وذكر نحوا من هذا, عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان: 40] [انظر التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (19/ 30)]
والذي يظهر, أن الأقرب من هذه الأقوال هو القول الأول
فإن الحرف (على) يفيد الاستعلاء في الأصل فالتعدية به دون غيره يدل على أن هذا المعنى مقصود وملاحظ.
فقرية قوم لوط في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان: 40] قد ثبت أنها أخفض بقعة بالنسبة لطريق العرب في رحلتهم إلى الشام. فمن الطبيعي أن يكون إتيانهم لها من علو, فلذلك أتى التعبير القرآني لذلك المعنى, وهو أبلغ في الموعظة, والاعتبار؛ لأنهم إذا أتوها من مكان عال, فأنهم لا يزالون ينظرون إليها حتى يجتازوها.
وأما في قوله تعالى {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ [النمل: 18]
فإن سليمان عليه السلام قد سخر الله له الريح تحمله وجيشَه حيث أراد. فإذا أراد أرضاً نزل عليها, فكان إتيانهم لها من علو.
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:23 ص]ـ
السلام عليك,
أثابك الله عز وجل على تلك الدرر المنثورة تلك المقالة الماتعة المليئة بالمعلومات القيمة والدسمة. زدنا زادك الله من فضله.
ـ[الحطيئة]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 01:32 م]ـ
بارك الله فيك أخي بندر الشراري , و لكن ما القول في "على" في قوله (هل أتى على الإنسان حين من الدهر ... ) , هل يفيد الاستعلاء؟
و أتمنى عليك أخي - محبة لك - أن تنسقَ الكتابةَ في الموضوع كي تعظمَ الفائدةُ , فما يعيبُ مواضيعَك - إن زعمَ زاعمٌ وجودَ عيبٍ فيها - سوى أنْ ليس فيها تنسيقٌ , إذ هو يعمي من هو مثلي ممن بلغ من العمر عتيا:)
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[29 - 06 - 2010, 02:57 م]ـ
وفيك بارك أخي أبا مليكة
الذي يظهر من تفسير الآية أن أتى هنا ضمن معنى (مرَّ) ومرّ تتعدى بـ (على) كما في قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] ومعنى الآية لقد مرّ على الإنسان فترة من الزمن لم يكن يكن شيئا مذكورا إما لأنه عدم أو لأنه نطفة على اختلاف في تفسيرها وكلاهما صحيح.
أما بانسبة للتنسيق فإن بضاعتي في الطباعة والحاسب مزجاة لكن أعدك بإذن الله بالاجتهاد في المستقبل. بارك الله في عمرك وأمده على طاعته.