تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّما ...... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 04 - 2010, 09:03 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا):

فذلك من المقابلة التي استوفت شطري القسمة العقلية، فمن اهتدى، فذلك عموم لا مخصص له، بالنظر إلى فعل العبد، فهدايته لنفسه على جهة القصر الحقيقي بـ: "إنما"، فلا تنفع هدايته الرب، جل وعلا، فهو غني عن طاعة عباده فلو كانوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زاد ذلك في ملكه شيئا، والقصر بـ: "إنما" مئنة من كون ذلك من جملة العلوم الضرورية التي لا يماري فيها إلا جاحد أو جاهل، فـ: "إنما" أضعف أساليب القصر، فلا حاجة إلى القصر بأسلوب أقوى فالضرورة تقدر بقدرها فمتى تأدى المعنى بلفظ يحصل به تمام البيان فقد تحقق المراد، بل إن الاقتصار على لفظ أضعف دلالة في مواضع بعينها لا يلائمها اللفظ الأقوى، كما في هذا الموضع، إذ المعنى، كما تقدم، من الوضوح بمكان، مئنة من تمام البلاغة، فمتى تأدى بلفظ أضعف دلالة فلا حاجة إلى استعمال اللفظ الأقوى، فلكل مقام مقال.

فالعبد يهتدي بإرادة حقيقية فنسبة فعل الهداية إليه: نسبة حقيقية لا مجازية، كما يزعم أهل الجبر، ولا تعارض بين هذه النسبة والنسبة في نحو قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فنسبة الهداية في آية الإسراء: نسبة مخلوق إلى خالق، بالنظر إلى إرادة الهداية التي يخلقها الرب، جل وعلا، في قلوب من اصطفاهم من عباده، فييسر لهم أسبابها، فمنه الإيجاد ومنه الإمداد، وهي من جهة أخرى بالنظر إلى فعل الرب، جل وعلا، نسبة: فعل إلى فاعله، فهداية البشر من وصف فعله المتعلق بمشيئته العامة النافذة، فيهدي من شاء فضلا، ويضل من شاء عدلا، فاختلاف النسبة في أفعال العباد: خلقا وإيجادا من الرب جل وعلا بإرادته الكونية النافذة، وفعلا واكتسابا من العباد بإراداتهم المخلوقة، ذلك الاختلاف مما تنحل به كثير من الإشكالات في باب القدر.

وفي المقابل:

وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا: فذلك أيضا من العموم المحفوظ، والقصر بـ: "إنما" فيه كالقصر بـ: "إنما" في الشطر الأول من القسمة العقلية، والنسبة فيه أيضا: نسبة فعل إلى فاعله المخلوق، فيكتسب العبد بإرادته المخلوقة: أفعال الضلال، فيكون تيسير أسبابها له من عدل الرب، جل وعلا، فيه، إذ علم من قلبه محلا غير قابل لأسباب الهداية، فاقتضت الحكمة إمداده بضدها من أسباب الضلال، فباختلاف المحال، واختلاف الإمداد تبعا لاختلاف أحوال المحال، فلكل محله ما يلائمه، بذلك الاختلاف تظهر آثار حكمة الرب، جل وعلا، فـ: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، فيمد كل محل بما يلائمه من أسباب الهداية فذلك من فضله، أو أسباب الضلال فهذا من عدله.

ثم جاء التذييل على سبيل المثل الجاري:

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى: فلا تحمل نفس وازرة وزر غيرها، فذلك من إيجاز الحذف على ما اطرد في التنزيل، فذلك من المجاز بالحذف عند من يثبت المجاز في الكتاب العزيز فهو جار مجرى قوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي: دروعا سابغات، على ما تقدم في مواضع سابقة، وأما منكر المجاز فإنه على أصله، فيرد ذلك إلى لسان العرب فما تكلمت به العرب فهو حقيقة في الدلالة على مراد المتكلم، وإن خالف الدلالة المعجمية، فالدلالة الحملية للكلام تغاير الدلالة المعجمية لمفرداته، فالسياق دال بداهة على أن الحامل هو نفس الفاعل، فالأوزار تقوم بفاعليها قيام الفعل المكتسب بذات فاعله، ولا يعني ذلك تبرئة ساحة رءوس الضلالة في سائر الملل والنحل الباطلة فيحملون من أوزار أتباعهم لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، ومن ذلك: تعذيب الميت ببكاء أهله عليه فلا يحمل من وزره شيئا إلا إن أوصى به، أو رضي به، ولو تقريرا، كمن علم من عرف زمانه ذلك فلم يوص بضده، فسكوته في موضع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير