تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السلام الذين جاءوا لتحرير البشر من قيد الكهنوت الديني، فـ: "لقد بعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن ظلم الحكام إلى عدل الإسلام"، فعدل الإسلام عدل في النفس بتحرير العقل من الأوهام والخرافات، فالدين المقبول ليس رؤى ومنامات، ومقالات فلسفية حادثة من مثرائية ورواقية ..... إلخ، وخوارق برسم السحر أو الخديعة، فليس ثم إلا وحي شيطاني بتزيين سوء القول من المحال العقلي الذي لا يجوز في حق الرب العلي، جل وعلا، فجعله أولئك واجبا فلا يثبت عقد الديانة الصحيحة ولا يحصل الخلاص بولوج الملكوت إلا بالتصديق بما تأنف منه العقول الصريحة والفطر السوية من مقالات تنقض نقل النبوات الصحيح نقضا!، وليس ثم إلا وحي شيطاني تسحر به أعين الناس وتسترهب نفوسهم فهو من السحر العظيم، وعدل الإسلام مع ذلك: عدل عام بين البشر، فالعدل مما أجمعت العقول الصريحة على حسنه، وإن وقع النزاع بينها في حده، فحده بعضهم بالتسوية المطلقة، وذلك عين الجور بالتسوية بين المتباينات فلا تنفك الذوات عن تباين في حقائقها وصفاتها التي تقوم بها، فالتسوية بينها مع الاختلاف في الحقائق والصفات: عين الجور الذي يناقض العدل الذي ظنه أولئك في التسوية المطلقة من كل وجه!، فمن الذوات: الناقص، ومنها الكامل ومنها الأكمل، ومنها ما له الكمال برسم العصمة كذوات الأنبياء، عليهم السلام، ومنها ما له الكمال المطلق على وجه تمتنع معه الشراكة، فتلك ذات الرب، جل وعلا، فليس كمثله شيء في ذاته فذلك أصل يتفرع عليه انتفاء المثيل أو الشبيه لوصفه الذاتي والفعلي، فليس كمثله شيء مطلقا في حقائق الذات والأسماء والصفات، وإن وقع الاشتراك في أصول المعاني في الأذهان، فلا يلزم من التشابه بل والتشارك فيها تشبيه مذموم للخالق بالمخلوق، فالمعاني المشتركة لا يمنع تصورها وقوع الشركة فيها، وحده بعضهم بإعطاء كل ذي حق حقه وهو المفهوم السديد لذلك المعنى الجليل، فعدل النبوات قد أعطى كل ذات أو حال ما يلائمها من الأحكام القدرية، فـ: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، والأحكام الشرعية فـ: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، فلكل أمة ما يلائمها من الشرائع والمناهج، فأمة تلائمها الشدة كالأمة الموسوية، وأمة يلائمها اللين فبه ترق القلوب القاسية فذلك رسم الرسالة العيسوية التي جاءت برسم التخفيف استئلافا لنفوس بني إسرائيل والترقيق استصلاحا لقلوبهم، وأمة هي أكمل الأمم جبلة وخلقا، فقد طبعت على جملة من الفضائل الجبلية فلا تجد من أبناء الأمم المختلفة، ولو كتابيين بل ووثنيين، من أمة الدعوة، لا تجد منهم سليم الطبع والحس إلا وله ميل فطري إلى الدين التوحيدي، فهو مما يستثير مكامن الفطرة التوحيدية الأولى في نفسه فيلامس بأخباره وأحكامه آثار الميثاق الأول، فتلك أمة الوسط التي جاءت شريعتها برسم الكمال فجمعت جلال الموسوية وجمال العيسوية، فذلك رسم الشريعة المحمدية الخاتمة.

والشاهد أن الكفار الأصليين ليسوا، في غالب أمرهم، مظنة الصيانة من خوارم المروءة التي تدل على قلة الحياء بل وعدمه في بعض الأحوال، وإن وجد منهم من له بمقتضى الجبلة الصحيحة بقايا من الحياء، ولا تجد أولئك بالتتبع والاستقراء إلا أقرب إلى الدين الخاتم من غيرهم من الكفار الأصليين، فذلك، أيضا، من آثار الميثاق التوحيدي الأول، فهو ميثاق علمي تظهر آثاره العملية ضرورة في مسالك البشر، فالطفلة تأنف من التعري فإن كشف أحد سترها سارعت بالتستر بداهة، ثم هي، بعد بلوغها تتعرى بنفسها اختيارا!، فذلك من شؤم التبديل، فكما تبدل نصوص الكتب تبدل أخلاق البشر، فذلك معنى يعم، أيضا، العلم والعمل فتغير العلوم بالوقوع في الشرك اختيارا بعد البلوغ، مظنة فساد الأعمال، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين العلم الباطن والعمل الظاهر، فيصيب الفطر النقية من كدر التنصير والتهويد ..... إلخ، ما تفسد به آثارها العملية في الخارج، ففساد التصور في الذهن ذريعة إلى فساد العمل في الخارج.

فعدم الإيمان مظنة عدم الحياء، ونقصان الإيمان الواجب مئنة من نقصان الحياء، فالتلازم بينهما مطرد منعكس، فيدور خلق الحياء مع الإيمان، وجودا وعدما، كثرة أو قلة، فالحياء شعبة من الإيمان، فيتولد منه تولد الفرع من الأصل، فإذا قوي الأصل قوي الفرع، وإذا ضعف الأصل ضعف الفرع، وإذا عدم الأصل عدم الفرع، فالحكم: حياء عمليا فهو خلق باطن تظهر آثاره في الخارج، يدور مع علته: إيمانا علميا، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر.

والاستعارة من وجه آخر: تبعية في الفعل: "ألقى"، والإلقاء، كما تقدم، مظنة الاختيار فقد خلع ربقة الحياء مريدا مختارا، فجاءت الاستعارة لمشتق من المصدر فهو أصل المشتقات على الراجح من أقوال أهل اللغة والنحو، وجاء التشبيه البليغ في إضافة المشبه به إلى المشبه، فشبه الحياء بالجلباب وأضيف إليه تقريرا للمعنى فحذف أداة التشبيه ووجهه مما يقوى به المعنى فتتوثق العلاقة بين ركني التشبيه فكأنهما واحد، وذلك، كما تقدم، مما يزيد المعنى تقريرا وتوكيدا، فيجري ذلك مجرى قولك: لبس محمد ثوب الصحة، وتشبيه الحياء بالجلباب مئنة من سبوغ الوصف على النفس فالحياء خلق يجلل صاحبه فلا تكاد تصدر لفظة أو حركة إلا برسمه فهو خلق يعم أقوال وأحوال صاحبه كما يعم الجلباب جسد لابسه.

فمن خلعه: فلا غيبة له:

فتسلط النفي على النكرة مئنة من العموم، وذلك خبر يجري مجرى الإنشاء بإباحة غيبته فقد هتك ستره بنفسه، بل قد تكون غيبته واجبة تحذيرا منه بلا تعد بنسبته إلى ما لم يرتكبه من جنايات فلا تجوز غيبة الزاني بنسبة جناية أخرى إليه، وإنما يقتصر على محل التهمة التي استعلن بها فلا حرمة له وقد هتك ستره بنفسه.

وقد قال البيهقي، رحمه الله، عقيب تخريجه في "السنن الكبرى": وهذا أيضا ليس بالقوي. والله أعلم. اهـ

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير