تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرجال ليسفهن أحلامكم، وليكذبن أديانكم، وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه، ودين تنكرونه. قالت: فلما سمعت مقالته انتزعته من يده، وقلت: لأنت أعته منه وأجن، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به، اطلب لنفسك من يقتلك فإنا لا نقتل محمدا. فاحتملته فأتيت به منزلي، فما أتيت - يعلم الله - منزلا من منازل بني سعد بن بكر إلا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر، وكان في كل يوم ينزل عليه رجلان أبيضان، فيغيبان في ثيابه ولا يظهران. فقال الناس: رديه يا حليمة على جده عبد المطلب، وأخرجيه من أمانتك. قالت: فعزمت على ذلك، فسمعت مناديا ينادي: هنيئا لك يا بطحاء مكة، اليوم يرد عليك النور والدين، والبهاء، والكمال، فقد أمنت أن تخذلين أو تحزنين أبد الآبدين ودهر الداهرين. قالت: فركبت أتاني، وحملت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي، أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكة وعليه جماعة، فوضعته لأقضي حاجة، وأصلح شأني، فسمعت هدة شديدة، فالتفت فلم أره، فقلت: معاشر الناس، أين الصبي؟ قالوا: أي الصبيان؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الذي نضر الله به وجهي، وأغنى عيلتي، وأشبع جوعتي، ربيته حتى إذا أدركت به سروري وأملي، أتيت به أرده وأخرج من أمانتي، فاختلس من يدي من غير أن تمس قدميه الأرض، واللات والعزى لئن لم أره لأرمين بنفسي من شاهق هذا الجبل، ولأتقطعن إربا إربا. فقال الناس: إنا لنراك غائبة عن الركبان، ما معك محمد قالت: قلت: الساعة كان بين أيديكم قالوا: ما رأينا شيئا فلما آيسوني وضعت يدي على رأسي، فقلت: وامحمداه واولداه أبكيت الجواري الأبكار لبكائي، وضج الناس معي بالبكاء حرقه لي، فإذا أنا بشيخ كالفاني متوكئا على عكاز له. قالت: فقال لي: ما لي أراك أيتها السعدية تبكين وتضجين؟ قالت: فقلت: فقدت ابني محمدا. قال: لا تبكين، أنا أدلك على من يعلم علمه، وإن شاء أن يرده عليك فعل؟ قالت: قلت: دلني عليه. قال: الصنم الأعظم. قالت: ثكلتك أمك كأنك لم تر ما نزل باللات والعزى في الليلة التي ولد فيها محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: إنك لتهذين ولا تدرين ما تقولين؛ أنا أدخل عليه وأسأله أن يرده عليك. قالت حليمة: فدخل وأنا أنظر، فطاف بهبل أسبوعا وقبل رأسه، ونادى: يا سيداه، لم تزل منعما على قريش، وهذه السعدية تزعم أن محمدا قد ضل. قال: فانكب هبل على وجهه، فتساقطت الأصنام بعضها على بعض، ونطقت - أو نطق منها - وقالت: إليك عنا أيها الشيخ، إنما هلاكنا على يدي محمد قالت: فأقبل الشيخ لأسنانه اصتكاك، ولركبتيه ارتعاد، وقد ألقى عكازه من يده وهو يبكي ويقول: يا حليمة لا تبكي، فإن لابنك ربا لا يضيعه، فاطلبيه على مهل. قالت: فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي، فقصدت قصده، فلما نظر إلي. قال: أسعد نزل بك أم نحوس؟ قالت: قلت: بل نحس الأكبر. ففهمها مني، وقال: لعل ابنك قد ضل منك؟ قالت: قلت: نعم، بعض قريش اغتاله فقتله. فسل عبد المطلب سيفه وغضب , وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شدة غضبه , فنادى بأعلى صوته: يا يسيل وكانت دعوتهم في الجاهلية , قال: فأجابته قريش بأجمعها، فقالت: ما قصتك يا أبا الحارث؟ فقال: فقد ابني محمد , فقالت قريش: اركب نركب معك، فإن سبقت خيلا سبقنا معك، وإن خضت بحرا خضنا معك. قال: فركب، وركبت معه قريش، فأخذ على أعلى مكة، وانحدر على أسفلها. فلما أن لم ير شيئا ترك الناس واتشح بثوب، وارتدى بآخر، وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعا، ثم أنشأ يقول: يا رب إن محمدا لم يوجد فجميع قومي كلهم متردد فسمعنا مناديا ينادي من جو الهواء: معاشر القوم لا تصيحوا؛ فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه. فقال عبد المطلب: يا أيها الهاتف، من لنا به؟ قالوا: بوادي تهامة عند شجرة اليمنى. فأقبل عبد المطلب، فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل، فصارا جميعا يسيران، فبينما هم كذلك، إذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يجذب أغصانها، ويعبث بالورق، فقال عبد المطلب: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال عبد المطلب: فدتك نفسي، وأنا جدك عبد المطلب. ثم احتمله، وعانقه، ولثمه، وضمه إلى صدره، وجعل يبكي، ثم حمله على قربوس سرجه، ورده إلى مكة، فاطمأنت قريش، فلما اطمأن الناس نحر عبد المطلب عشرين جزورا، وذبح الشاء والبقر، وجعل طعاما، وأطعم أهل مكة. قالت حليمة: ثم جهزني عبد المطلب بأحسن الجهاز وصرفني، فانصرفت إلى منزلي وأنا بكل خير دنيا، لا أحسن وصف كنه خيري. وصار محمد عند جده. قالت حليمة: وحدثت عبد المطلب بحديثه كله، فضمه إلى صدره وبكى، وقال: يا حليمة، إن لابني شأنا، وددت أني أدرك ذلك الزمان " *

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير