علماً أن الطبراني عندما روى الحديث من الطريق الأول في "المعجم الصغير" قال: لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة. وهو الذي يحدث عن بن أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي. وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة. تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة. والحديث صحيح.
وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وَهِمَ فيه عون بن عمارة. والصواب حديث شبيب بن سعيد. اهـ المعجم الصغير (1ـ306)
في الإسناد الأول:
طاهر بن عيسى بن قيرس المصري المقرىء، وهو مجهول لا يعرف بالعدالة، ذكره الذهبي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال، لا يجوز الاحتجاج بخبره.
وأبو سعيد المكي هو شبيب بن سعيد، قال الذهبي عنه في كتابه "ميزان الاعتدال" (3ـ361): صدوقٌ يُغرِب.
وقال ابن عدي عنه في كتابه "الكامل في الضعفاء" (4ـ31): يُحَدّث عنه ابن وهب بالمناكير. ثم قال ابن عدي: ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه، فيغلط ويهِم. وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب. وكانت رواية ابنه عنه من كتابه لا من حفظه، فإنه سيئ الحفظ.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب" (1ـ263): لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب.
وفي الإسناد الثاني:
إدريس بن جعفر العطار، ضعيف متهمٌ بالكذب. قال عنه الدراقطني (كما في سؤالات الحاكم صفحة: 106): متروك! وذكر له الذهبي في ميزان الاعتدال (1ـ317)، حديثاً وَضَعَه. وتبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1ـ332).
وفي الإسناد الثالث:
عون بن عمارة،. ذكره ابن حبان في المجروحين (2ـ197) ثم ذكر له هذا الحديث. وقد تقدم تصريح الطبراني أن عون وهم في رواية هذا الحديث.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "التوسل": أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: ((إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخّرتُ ذاك، فهو خير))، (وفي رواية: ((وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك)))، فقال: ادعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فشفّعه فيَّ] وشفّعني فيه [. قال: ففعل الرجل فبرأ.
يرى المخالفون: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيراً.
وأما نحن فنرى أن هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلف فيه، وهو التوسل بالذات، بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه، لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:
أولاً: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، وذلك قوله: (أدعُ الله أن يعافيني) فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه صلى الله عليه وسلم، لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً:
(اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني، وتجعلني بصيراً). ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
¥