البخاري رجَّح طريق الشعبي على طريق الزهري عن أبي سلمة. والفروق التي بينهما ليست يسيرة: ففي أحدهما أن النبيّ حدّث بخبر تميم في صلاة الهاجرة، وفي الآخَر أنه في صلاة العشاء الآخرة، فكيف يُجمَع بينهما؟ ثم في أحدهما أن تميماً أو بني عم له أو ناساً من قومه ركبوا البحر على اختلاف في ذلك كما سلف، وفي الآخَر أن تميماً إنما نقل هذا عن رجل! فكيف يُجمع بينهما لا سيما وفي رواية ابن بريدة أن تميماً شَهِدَ الواقعة!
قال: وفد تميم الداري على النبي ? في العام التاسع للهجرة وهو عام الوفود.
أقول: هذا تقدير المؤرخين وليس فيه إسناد ثابت. وقد يكون قد أتى في أول العام العاشر فنسبوه للتاسع لأنه عام الوفود.
تميم رضي الله عنه وفد على النبيّ صلى الله عليه وسلم في العام التاسع باتفاق أصحاب السير والتواريخ. أنتَ الآن تنفي ذلك وتقول إنه قد يكون أتى في العام العاشر، فما دليلك؟ بل المُثبت مقدّم على النافي.
أما توهيم فاطمة رضي الله عنها في وقت طلاقها، فبعيد جداً. ومن البعيد جداً على امرأة أن تنسى متى طلقت وتزوجت زوجاً آخر!
لا ندري أحَفِظَت أم نَسِيَت .. قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وترتيبُ الوقائعِ ناطقٌ بهذا كما سلف.
قال: مما وهمت فيه أيضاً رضي الله عنها أنها ظنّت ترخيص النبي ? لها في الاعتداد في غير بيتها أن المبتوتة لا سُكنى لها أيضاً بعد أن علمت أنه لا نفقة لها.
أقول: نعم، قد كانت الرخصة خاصة، فعممتها، وهذا خطأ في الفقه والاجتهاد لا في الحفظ والرواية.
وهل التقوُّل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم مِن باب الخطأ في الفقه والاجتهاد! ففيمَ طَعَنَتْ إذن أمُّ المؤمنين في حديث فاطمة وقالت: ألا تتقِ الله! وفيمَ قال عمر قولته لو كان ذلك كذلك! بل هي قالته رضي الله عنها على طريق الخطأ، وأخذ البخاريّ بكلام أمّ المؤمنين.
قال: أين كان الناس وقتها؟ - معه بالمسجد في صلاة الظهر (رواية مجالد، والشيباني). - لم يكونوا في المسجد، بل نودي الصلاة جامعة، فاجتمعوا فزعين (الباقون).
أقول: مرة أخرى يلبس على الناس برواية الضعفاء. مع أن قوله "فزعين" غير صحيح.
أنا استعرضتُ الاضطرابات بين مختلف الروايات في الصحيح وغيره، فهل في بيان اختلاف المتون تلبيس أكرمك الله! ثم إن قولك: ((مع أن قوله "فزعين" غير صحيح)) يوحي بأنني أتيتُ به مِن كيسي، بينما وقع في روايات: كهمس عن ابن بريدة، ومجالد، والشيباني. ولستُ عند بيان الاختلافات في مقام التصحيح أو التضعيف بل البيان.
قال: هل سمعت فاطمة الخطبة؟ - نعم فقد حضرت إلى المسجد (رواية ابن بريدة، وسيار). - لا بل أرسلَت الحديث (الباقون).
أقول: وهذا كذب، بل صرحت بسماع الخطبة وحضور المسجد في روايتي ابن بريدة وسيار، وباقي الروايات مختصرة لكن ليس فيها أنها لم تسمع الخطبة.
كفى تجنّياً أيها الكريم! لقد قلتُ إنّ التصريح بسماع فاطمة وقع في روايتي ابن بريدة وسيار، فجئتَ لتقول بل وقع في روايتي ابن بريدة وسيار!! فسبحان الله .. تؤكّد كلامي ثم ترميني بالكذب!! أما باقي الروايات فجاءت مرسلة ليس فيها أنها سمعت الخطبة، فجئتَ لتقول ليس فيها أنها لم تسمع الخطبة .. وقولُكَ لا يردُّ قولي أنّ باقي الروايات مرسلة، ففيمَ اتهامكَ لي بالكذب!
يُتبع إن شاء الله وحده ..
ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[01 - 11 - 09, 06:08 م]ـ
وكل ما ذكره الأخ الأقطش لم يسبقه أحد إليه، ولا استشكله أحد، لأنه غير مشكل أصلاً.
بالنسبة لرواية ابن بريدة - وهي التي جعلها الإمام مسلم أصلاً في الباب - فلستُ أوَّلَ مَن قال إنها وهم، بل قال النووي في شرحه (10/ 95): ((وقوله "أنه طلقها" هذا هو الصحيح المشهور الذي رواه الحفاظ واتفق على روايته الثقات، على اختلاف ألفاظهم في أنه طلقها ثلاثاً أو البتة أو آخر ثلاث تطليقات. وجاء في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة ما يوهم أنه مات عنها، قال العلماء: وليست هذه الرواية على ظاهرها، بل هي وهم أو مؤوَّلة)). اهـ وهو ما قاله ابن حجر أيضاً: ((وهذه الرواية وهم)). اهـ ويَرُدُّها أيضاً أن أبا عمرو بن حفص بقي إلى خلافة عمر، وهو ما اعتمده البخاريّ في تاريخه.
¥