تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولاً: يقول تعالى: (وَمَا جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخالِدون) [الأنبياء 34]. قال ابن جرير الطبري في تفسيره: ((يقول تعالى ذِكْرُه لنبيّه محمد r: وما خلَّدْنا أحداً مِن بني آدم يا محمَّد قَبْلَك في الدنيا فنخلَّدهم فيها! ولابدّ لك مِن أن تموت كما مات مِن قَبْلك رسلُنا)). اهـ وقال ابن كثير في تفسيره: ((وقد استَدلّ بهذه الآية الكريمة مَن ذهب مِن العلماء إلى أن الخضر عليه السلام مات وليس بِحَيٍّ إلى الآن، لأنه بشرٌ سواء كان ولياً أو نبياً أو رسولاً)). اهـ

فهذه الآية الكريمة صريحةٌ في أن الله تعالى لم يُخلِّد أحداً مِن البشر، لا قبل رسوله عليه الصلاة والسلام ولا بعده. فكيف يُجعَل للدجال الخُلد وهو بشر؟!

ثانياً: الحديث المتفق عليه الذي أخرجه البخاريّ (116) ومسلم (2538) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((صلَّى بنا النبيّ r العِشاءَ في آخر حياته، فلمّا سلّمَ قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن رأس مائة سنةٍ منها لا يَبقى مِمَّن هو على ظهر الأرض أحدٌ")). قال ابن حجر (الفتح 2/ 90): ((قال النووي وغيره: احتجّ البخاريُّ ومَن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر)). اهـ وهذا الاستدلال عينه ينطبق على قصة الجساسة، لأنّ الدجال فيها رجلٌ مِن بني آدم يحيا على ظهر الأرض فهو داخلٌ في الحديث لو كان له وجود. وعلى هذا اعتمد ابن عثيمين رحمه الله عند استشكاله حديث الجساسة هذا.

قال البغوي في تفسيره (الكهف 82) عن الخضر: ((وذهب آخرون إلى أنه ميّتٌ لقوله تعالى: "وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلّى العشاء ليلةً: "أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى مِمَّن هو اليوم حيّ على ظهر الأرض أحد". ولو كان الخضر حياً، لكان لا يعيش بعده)). اهـ

وقال ابن القيم (المنار المنيف ص52): ((وقال أبو الفرج ابن الجوزي: والدليل على أن الخضر ليس بباقٍ في الدنيا أربعة أشياء: القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول. وأما القرآن، فقوله تعالى: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد"، فلو دام البقاء كان خالداً! وأما السنة، فذكر حديث: "أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض مِمَّن هو اليوم عليها أحد" ... إلخ)). اهـ

قال مَن أجاب على هذا الاستشكال: حديث رأس المائة سنة عام، وحديث الجساسة خاص، فهذا مُخَصِّص لعموم ذاك. قلنا: بل حديث الجساسة سابقٌ على حديث رأس المائة سنة، فكيف يخصّصه؟ حديث الجساسة لو صحّ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله بالوحي بل نقله عن تميم الداري، وأما حديث رأس المائة سنة فقد قاله بالوحي قبل موته بشهر واحد. فكما توقَّفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أمر ابن صياد إلى أن جاءه الوحي، كذا في أمر دجّالِ الجسّاسة إلى أن جاءه الوحي. فالحُكم لهذا الحديث الأخير، وهو يجبُّ ما قَبْلَه.

وقد قلتُ في مشاركةٍ سابقة: أحاديثُ ابن صياد هل كانت بوحيٍ أم لا؟ فإن قلتَ نعم، إذن أسقطتَ حديث الجساسة. وإن قلتَ لا بل أُوحي بعدَها إلى النبيّ بأوصاف الدجال، إذن فالعبرةُ بما جاء به الوحيُ آخِراً، وإذن أسقطتَ حديث الجساسة أيضاً! فإنَّ قصة الجساسة - لو صحّت - إنما نَقَلَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تميم ولم يقلها بالوحي، بينما حديث رأس المائة سنة قاله النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي قبل وفاته بشهر، فالعبرة به لا بما كان سابقاً عليه مِمَّا ليس وحياً، فتأمّل.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير