الهداية دلالة بلطف، ومنه: الهدية، وهوادي الوحش. أي: متقدماتها الهادية لغيرها، وخص ما كان دلالة بهديت، وما كان إعطاء بأهديت. نحو: أهديت الهدية، وهديت إلى البيت. إن قيل: كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال الله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات/23]، {ويهديه إلى عذاب السعير} [الحج/4]. قيل: ذلك استعمل فيه استعمال اللفظ على التهكم مبالغة في المعنى كقوله: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران/21] وقول الشاعر:
*تحية بينهم ضرب وجيع*
(العجز لعمرو بن معد يكرب؛ وشطره:
* [وخيل قد دلفت لها بخيل] *
وهو في ديوانه ص 149؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 200؛ والمقتضب 2/ 20؛ وتفسير الطبري 1/ 310)
وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه:
الأول: الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شيء بقدر فيه حسب احتماله كما قال: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه/50].
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء، وإنزال القرآن ونحو ذلك، وهو المقصود بقوله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} [الأنبياء/73].
الثالث: التوفيق الذي يختص به من اهتدى، وهو المعني بقوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى} [محمد/17]، وقوله: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [التغابن/ 11]، وقوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} [يونس/9]، وقوله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت/69]، {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} [مريم/76]، {فهدى الله الذين آمنوا} [البقرة/213]، {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة/ 213].
الرابع: الهداية في الآخرة إلى الجنة المعني بقوله: {سيهديهم ويصلح بالهم} [محمد/5]، {ونزعنا ما في صدورهم من غل} [الأعراف/43] إلى قوله: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} (الآية: {ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار، وقالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا}).
وهذه الهدايات الأربع مترتبة؛ فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية بل لا يصح تكليفه، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله (قد نقل ابن القيم هذه الهدايات الأربع في عدة مواضع من كتبه. انظر مثلا: بدائع الفوائد 2/ 35 - 37).
ثم ينعكس، فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات، وإلى الأول أشار بقوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى/52]، {يهدون بأمرنا} [السجدة/24]، {ولكل قوم هاد} [الرعد/7] أي: داع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص/56] وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة، وهي التوفيق الذي يختص به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة، وإدخال الجنة.
نحو قوله عز وجل: {كيف يهدي الله قوما} إلى قوله: {والله لا يهدي القوم الظالمين} (الآية: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات من ربهم والله لا يهدي القوم الظالمين}) [آل عمران/86] وكفوله: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين} [النحل/107] وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة، كقوله عز ذكره: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} [البقرة/272]، {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} [الأنعام/35]، {وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم} [النمل/81]، {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} [النحل/37]، {ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر/36]، {ومن يهد الله فما له من مضل} [الزمر/ 37]، {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص/56] وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس/99]، وقوله: {من يهد الله فهو المهتد} [الإسراء/97]، أي: طالب: الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده، فيتحرى طريق الضلال
¥