تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[22 - 10 - 08, 07:25 ص]ـ

-7 -

{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} طه60

أ-

السرد معجز ولا ريب، يصل فيه الإيجاز إلى منتهاه وإن المتلقي لا يجد صعوبة في أن يستجمع تفاصيل الحدث المسرود من وراء هذا الإيجاز!!

الأفعال مسندة إلى فرعون وحده فهو صاحب الحدث لكن لموسى -عليه السلام- أقوى حضور من جهة الخطاب، فمكان وجوده نقطة إحداثية أو أصل مرجعي لفعلي فرعون" تولى" و"أتى" .. فالتولي هو دائما عن شيء والإتيان هو دائما إلى شيء .... والفعلان قد يدلان على مسافة واحدة يقطعها الفرعون .. ومع ذلك فهما متضادان ومنشأ التضاد هو اعتبار المرجعية ف"تولى" تقتضي مرجعا خلفيا تبتديء منه الحركة و"أتى" تقتضي على العكس نقطة مرجعية أمامية إليها تتجه الحركة ...

فعندما يقول السارد مثلا:

" ذهب زيد إلى خالد"

"أتى زيد إلى خالد"

فنحن المخاطبين نستطيع أن نرصد حركة زيد واتجاهها في الحالتين كما نستطيع أيضا أن نرصد موقع المتكلم ذاته:فهو في الحالة الأولى خلفي منفصل عن خالد، وفي الحالة الثانية يكون متحدا بخالد يوجدان في المكان عينه الذي ستنتهي إليه حركة زيد.

السارد إذن حاضر مع موسى لا مع الفرعون!!

ب-

ينفصل الفرعون عن موسى ثم يعود إليه .. و في ذلك إيحاء بأن موسى ظل ثابتا في مكانه ما برحه .. ومما يؤكد هذا الإيحاء وقوع الآية بين كلامين لموسى -عليه السلام-

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى {59}

قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى {61}

فموسى هو صاحب الكلمة الأخيرة من قبل وهو صاحب الكلمة الأولى الآن ... وليس بين الكلمتين إلا ما وقع لفرعون من ذهاب وجمع وإياب .. والسرد السريع لهذه الحركات من شأنه اختزال الزمن حتى ليخيل للمتلقي أن موسى عليه السلام في موقف واحد وأنه ليس بين كلميته إلا لحظات.

والمغزى من هذا الأسلوب في السرد هو الإشارة إلى أن صاحب الحق حقه معه، ملازم له، ممتليء به، فهو مستغن عن الذهاب والبحث والتقصي ... فهذه الأمور يحتاجها مبطل مثل الفرعون الذي يتعين عليه أن يتململ ويبحث عن حجته بعيدا!!

ج-

{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى}

العطف هنا في منتهى البلاغة .. ولو جعلنا "ثم" مكان" الفاء "لجاء الباطل!

الفورية في التولي وجمع الكيد دالة على حماس فرعون وعلى ما يتبع ذلك من إعلان لحالة" استنفار قصوى" فكل شيء سيسير الآن على جناح السرعة:

إرسال المكتوبات إلى الاقاليم و المحافظات، توجيه الاستدعاءات،تلقي التقريرات،استقبال الوفود والمبادرات ..

ولو قيل "ثم جمع كيده" لانفصل القول عن مقتضى المقام .. لأن المعنى سيكون حينئذ إهمال فرعون لأمر موسى أو ترتيبه في درجة متأخرة في سلم الأوليات ... والأمر ليس كذلك قطعا ...

"ثم أتى"

التراخي هنا له شأنه .. فهو كاشف عن معاني مطوية:

فالارتجال ممنوع،والسرعة المطلوبة من قبل هي ضارة الآن .. والانتصار لا محيد عنه!! فلا بد من تنظيم الصفوف، ومراجعة الكتب على الرفوفـ، ووضع شتى الخطط تحسبا للظروف، وترتيب السحرة بين الجلوس والوقوف، وتهذيب أسنة الرماح و السيوف،والتمرين على إلقاء كل حبل ملفوف!!

عجبا لهذا السرد كيف أسرع ثم تراخى بعد إذ هو موجز!!

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[25 - 10 - 08, 12:40 ص]ـ

-8 -

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير