[استدلال الخطيب بالقرآن في خطبة الجمعة]
ـ[إبراهيم بن محمد الحقيل]ــــــــ[14 - 09 - 08, 12:37 ص]ـ
استدلال الخطيب بالقرآن
إبراهيم بن محمد الحقيل
صلاة الجمعة من أعظم الطاعات التي تقرب إلى الله تعالى، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يحرصون على أدائها أكثر من غيرها، ولا يفرطون فيها وإن كان كثير منهم يقصرون في الصلوات الخمس الأخرى، حتى الأعاجم من المسلمين في البلاد العربية يحضرونها في المساجد وإن لم يفهموا إلا قليلا مما يقول الخطباء.
والمسلمون في البلاد الكافرة من غربية وشرقية يقيمونها في مراكزهم الإسلامية، ومن عجزوا عن إنشاء مسجد أو مركز أقاموها في دور بعضهم أو في الحدائق العامة أو غيرها، ولكنهم لا يتركونها -في الغالب- بحجة العجز عن مكان يجمعهم.
وما يكاد الخطيب يدعوهم عقب الصلاة للتبرع بشيء من المال لشراء موقع المسجد أو توسيعه أو سداد إيجاره إلا انصرفت أيديهم إلى جيوبهم للمساعدة على ذلك، والمراكز الإسلامية في البلاد الكافرة لا تكاد تنفك عن طلب التبرع في كل جمعة، ومع ذلك ما ضجر المسلمون من كثرة ذلك فتركوا حضورها، ولا أمسكوا أيديهم عن البذل عقب صلاة الجمعة لتشييد مساجد لإقامتها.
وكثيرا ما عجب الغربيون من الجاليات المسلمة حين يُقتر أفرادها على أنفسهم وأولادهم لسداد إيجار المركز أو المسجد، أو شرائه، كما يعجبون أيضا من تنامي المراكز والمساجد في بلاد الغرب، وكثرتها واتساعها شيئا شيئا، ويعجبون أكثر حين يرون الزحام الشديد على هذه المراكز يوم الجمعة مع خلو الكنائس يوم الأحد إلا من عدد قليل. وكل هذه دلائل على أهمية صلاة الجمعة في دين الإسلام، وعظيم مكانتها في قلوب المسلمين.
والخطيب حين يعتلي درجات المنبر ليلقي خطبته يمسك المصلون عن الصلاة وقراءة القرآن وسائر أنواع الذكر والقربات، ويتوجهون بأبصارهم وقلوبهم إلى خطيبهم، ويصغون إليه بأسماعهم، وينتبهون لما يقول. فإن استطاع الخطيب أن يشدهم إليه باستهلاله البارع، ومقدماته الضافية واصلوا الاستماع إليه، وتأثروا بمقوله لهم، وإلا ملوه وضجروا من ضعفه وأسلوبه، وانصرفت قلوبهم إلى أودية أخرى.
والخطيب يلقي على الناس أفكارا، ويحاول إقناعهم بها، فيستدل لها بالمنقول وبالمعقول أو بأحدهما، وهو يأمرهم وينهاهم، والنفوس البشرية لا تحب الأمر والنهي، ولكنها قد تتخذه دينا إذا علمت أن ذلك حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فتحبه وتدين به رغم ما فيه من تكليف بواجبات فيها مشقة، أو حبس عن شهوات محبوبة.
أهمية الاستدلال بالقرآن:
القرآن معظم عند المسلمين، لا يتطرق إليه الشك لدى المصلين، وهو أقوى ما يستدل به أي متحدث في المجتمعات المسلمة [لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] {فصِّلت:42}.
وأوصاف القرآن المنثورة فيما يتلى من الآيات تجبذ النفوس إليه، وتحبب القلوب فيه، فلا يملك قارئ آياته إلا الإذعان والانقياد:
1 - فهو الهدى وما عارضه ضلال [ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] {البقرة:2} وفي الآية الأخرى [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ] {البقرة:185}، وهدايته تكون إلى ما هو أحسن وأفضل وأقوم في كل الأمور التي تهم الناس في الدنيا والآخرة [إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] {الإسراء:9}.
2 - وهو النور وما عارضه ظلمات، ويُخرج المنقادين له من جميع أنواع الظلمات -ظلمات الكفر والنفاق والبدعة والجهل والظلم وغيرها- إلى النور [قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {المائدة:16}، وفي آية أخرى [هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] {الحديد:9} وفي ثالثة [رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ]
¥