تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان تخليه عن الرآسة بإصرار منه على الإخوان، تأديباً لهم لأنّه كان غير مرتاح لسلوكهم، حتى أنّه في مرة ثالثة، صَمّم على ترك العمل معهم، وقرر أن يكون عضواً عادياً في الجماعة.

ولكنهم أصرّوا على عودته فاشترط عليهم أن يستحصلوا له من الإدارة العليا في حلب على أن يكون دكتاتورياً مستبداً، يعمل بدون مجلس إدارة، فرضوا في إدلب، ولكن الجماعة في حلب قالوا لهم لا يمكن أن يكون هذا بشكل رسمي، وإذا صحَّ هذا عندكم في إدلب ورضيتم؟ فلا يمكن أن يوجد في بلدة ثانية، ونحن لا نمانعكم من تطبيقه عندكم، بالاتفاق فيما بينكم، ونتيجة لإلحاح الإخوان في إدلب رضي بالمتابعة وسكت.

واستمرت الجمعية تعمل في إدلب، ولكن سمعتها كانت أكبر من حقيقتها، ومهما يكن من أمر فقد حققت الجمعية آنذاك، كثيراً من الخير المنحصر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصديق قول الله عز وجل: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر .. …) الآية

ونتيجة للتجارب التي مرَّت علي والدي في جميع أدوار العمل الاجتماعي والسياسي، أدرك، أنَّ سرَّ الإخفاق يكمن في جهل الناس بحقيقة دينهم، وكانت الأهداف السياسية أحياناً، تضطره للمسايرة والمداراة والسكوت، عن هفوات العاملين معه في إدلب وغيرها، وإدخال كل راغب في العمل في جماعة الإخوان بدعوى العمل على إصلاحه، حيث كان مبدؤها " جمِّع ثمَّ ثقِّف " ولكن للأسف لم تكن الجمعية، مدرسةً تُعلم تعليماً صحيحاً يُربي النشء، كما لم تكن الهيئة قادرة على إلزام أعضائها وقسرهم على العمل المُرضي، والذين انتسبوا إليها يقلون ويكثرون حسب الشدّة والرخاء، وحسب الرغبات والأهواء وملء الفراغ، فلا علم صحيح، ولا تربية صحيحة ولا تضحية محمودة بالمال يُساعد على مشاريع مفيدة، ولا جامع نفسي يربطهم ببعضهم ربطاً سليماً، بل كانت جمعية إتعاب للعاملين المخلصين الفاهمين كالمرشد العام وإخوانه، وكان الشباب يملأون فراغهم في التردد على ناديها، ولعبهم فيه، وتسلّيهم في تجمعاتهم لا أكثر، وبدلاً من أن يمتد الانتفاع من علمهم في أوساط الشعب كافة، أصبح مقتصراً على جماعة محدودة في عددها وصفتها، لأنها أخذت صفة سياسية وابتعد الشعب عنها، خصوصاً حين يُضيّق عليها الحاكم ويلاحقها، وفي الشعب نزعات حزبية متعددة لا تعدم هذه الأحزاب أن تجد أسباباً للطعن، والشعب ينظر إليها نظرته إلى حزب من الأحزاب، وهو دائماً مع القائم، والشعب لم يقتنع بأن الجماعة تحقق مضمون الآية الكريمة:

(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر ..... الآية).

خصوصاً ومشايخ الشعب كانوا ضد الجماعة، وناقمين عليها لأغراض شخصية وأسباب نفسية الله أعلم بها، هذا عدا عن المناوشات التي كانت تنشب بين أفراد الجماعة.

وباعتبار والدي من طلاب العلم، والواجب يقضى أن يكون للشعب كله، لا لفئة محدودة، ولثقته بعدم صواب مبدأ " جمِّع ثمَّ ثقِّف " ونظراً لإدراكه سرَّ الإخفاق، والذي هو جهل المسلمين بدينهم، بدأ يبحث عن طريقٍ تريح نفسه، وبعد التأمل والتفكير هُديَ إلى الأسباب التي أفقدت الإسلام قوة الدفع لأهله إلى الأمام، وهي أمور ثلاثة كانت أكبر المخاطر على المسلمين:

وهي:

" الشرك، والبدع، والتقليد الأعمى "

فتوجّه إلى محاربتها، واستعان بأصول الإسلام كتاباً وسنة، واستفاد من توجيه الشيخ الجليل محدّث البلاد السورية الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والتزم طريق السلف الصالح، وحاول جُهده أن يتحقق به، وكان للشيخ ناصر الدين زيارة كل شهرٍ إلى حلب، فرجاه أن يمر عليه في هذه الزيارة، فكان يُعرّج على إدلب، ويبيت فيها ليلة واحدة ثم يواصل سفره إلى دمشق، وقد استمع الناسُ له في إدلب، وضاق مشايخها بزيارته هذه ذرعاً، فناصبوا والدي وإيّاه العداء، ونعتوا الألبانيَّ بالأميّْ، كَونه لم يتلقّ تعليمه في جامعة، وصبّوا جام غضبهم على الشيخ ناصر لأنه غريب، وقذفوه بالجهل، ورموه بالضّلال، وهم في الحقيقة إنما يريدون النيل من والدي، لأنّ الألباني ينزل عليه ضيفاً كريماً، ولم يتجرأوا على شخص والدي، لعلمهم بأنّ له في البلد شعبية، فحاولوا انتقاصه من وراء طعنهم في الشيخ المذكور، واستعانوا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير