تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سُنَّةٌ قل من ينشغل بالتفكير فيها أو التأمل في سريانها بين الأمم [إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] فتغيير الأنفس تذليلها إلى الطاعة أو تجريئها على المعصية، تغيير بالارتقاء لأعلى أو الانتكاس لأسفل، فمتى وجدت أسباب التغيير تبعتها النتائج سلبا أو إيجابا، ولعلنا نستعرض نموذجا حيا لهذا التغيير، عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام، سيدا قومهما قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام التقيا على عداوة الدعوة، بل واستماتا في تلك العداوة حتى أذاقا المسلمين ذل الاستضعاف، ومضت السنون تزيدهم بعدا عن الإسلام، إلا أن الأنفس السوية أقرب إلى الانقياد إلى الحق متى استبان لها، فتهيأت سبل الهداية لعمر بن الخطاب فانقاد خلفها دون علو أو استكبار عليها، فأصبحت نفسه أقرب إلى التغيير فأتم الله عليه بنور الهداية فغدا فاروق الأمة، وكم من نور أضاء طريق أبا جهل فأعرض عنه كبرا وعلوا، فأعرض الله عنه فغدا فرعون الأمة، التقت آمالهم فاتحدت مساعيهم لسنوات طوال، واختلفت بواطنهم فافترقت بهم السبل بل والنهايات؛ لترسم تلك التجربة سُنَّةٌ من سنن الله في تغيير الأنفس متى كان نازع التغيير من داخلها.

بل إن هذا التغيير لا يقتصر على أنفس الأشخاص بل يتجاوزها لتبديل أمم بأكملها، ولتتدبر قول الله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] وقال تعالى [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ]

والله تعالى لا يستبدل قوما إلا بعدما ما هيأ لهم سبل الهداية فأعرضوا عنها، ففي حينها يستبدلهم الله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)

سُنّة التدرج

سُنَّةٌ أخرى لازمت مشوار الدعوة منذ بدايتها، إنها سُنَّةٌ التدرج، ولكن لما؟

لقد جُبل الخلق على النفرة مما خالف العادة والمألوف، فتأتي تلك السُنَّةٌ الفاعلة لتهيئة الأنفس إلى تقبل التكاليف بعدما استيقنت بضرورة تغيير كل واقع متشبع بالفساد، ولك أن تتأمل: ثلاثة عشر عاما من الدعوة بمكة وعدد المسلمين قريب من ثلاثمائة نفس هم حصاد أكثر من نصف عمر الرسالة، ثم هاجر النبي إلى مكة فكان حصاد سبعة أعوام فيها قريب من ألف وخمسمائة مسلم، إبان فتح خيبر، وفي أعوام ثلاث فقط بعد عقدين من الدعوة في حجة الوداع كان عددهم قريب من مائة ألف مسلم، فأي سُنّة هذه التي تجسد ذاك الواقع؟

إنها سنة التدرج، فمن تعجل هداية الخلق دون مراعاة هذه السُنّة في الدعوة لن يجني من دعوته سوى النفور بل وربما الإخفاق والفشل ..........

وقد أشارت إلى فاعلية تلك السُنّة أم المؤمنين عائشة فقالت " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الزِّنَا وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ ....... لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ وَأَنَا عِنْدَهُ "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير