تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كان ابن هشام لم يذكر، في هذا النص، تهامة اليمن أو جهينة بلفظ صريح فإن الإمام الطبريَّ قد أوضح ذلك على نحوٍ مُبِين؛ وذلك حين قال: (ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يُؤرخون من خروج سعدٍ ونَهْدٍ وجُهَيْنَة بني زيد من تهامة؛ حتى مات كعب بن لُؤَيّ؛ فأرخوا من موت كعب بن لُؤَيٍّ إلى الفِيْل؛ فكان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة (11). فقد أفادنا هذا النص - زيادة على التصريح بِسُكْنا جهينة في تهامة - قِدَمَ جُهَيْنَة في هذه الديار؛ قِدماً يعودُ بها إلى زمانٍ سابقٍ لميلاد المسيح عليه السلام.

أما ياقوت فقد جاء في حديثه عن كلمة (شَبَّ) قوله: (ذو الشب شقٍّ في أعلى جبل جُهينة باليمن؛ يُستخرج من أرضه الشبُّ المشهور) (12). وبَيَّن في موضع آخر مراده من (اليمن) الوارد في هذا النص - فيما أظن - فقال (13): (وقال أبو المنذر في «كتاب الأفراق»: وظعنت قضاعة كلها من غور تهامة بعدما كان من حرب بني نزار لهم؛ وإجلائهم إيَّاهم؛ وساروا منجدين) (14).

وتهامة - فيما هو معلوم - تشمل أراضي السهل الساحليّ الضَّيِّق الممتد من شبه جزيرة سيناءَ شمالاً إلى أطراف اليمن جنوباً؛ وفيها مُدُن نَجْران ومكة المكرمة وجدة وصنعاء (15) وغيرها؛ وهي - لهذا - تنقسم إلى تهامة اليمن وتهامة الحجاز، وقد رَجَّحنا في الصحائف الماضية أن تهامة الواردة في النصوص هي تهامة اليمن لاقترانها كثيراً بكلمة اليمن وحِمْيَر؛ ولقرائن أُخرى غيرها.

على أن ابن خلدون يرى أن أقدم موطن لقضاعة - وفيهم جهينة على ما مرّ - إنما كان نَجْران؛ إلى أن غلبهم عليها بنو الحارث بن كعب من الأزد؛ فساروا إلى الحجاز؛ ودخلوا في قبائل معدّ؛ ومن ثم نُسبوا إليه غلطاً (16).

من هذه النصوص نستنتج أن نشأة جهينة الأُولى كانت - على الأشهر، وفي أغلب الظن - في تهامة بمعناها الواسع الذي يشمل أوطان نزار بن مَعَدٍّ، حتى قرب مكة المكرمة في الشمال ولا يتجاوزه، كما يشمل أرض سبأ في اليمن. وهكذا بَقِيْتْ جهينةُ ـ فيما يبدو ـ تَحْتَلُّ رقعةً واسعة في شبه جزيرة العرب؛ تمتد من مواطن سبأ في مأرب؛ حتى مواطن نزارٍ بن معد قرب مكة؛ ومما يُؤَيِّد هذا القول ما رواه ياقوت (17) من انتشار ديار جهينة قديماً في أرض أُدَيْم التي تلي جبل السراة متوسطة تهامة واليمن.

للموضوع بقية ..

ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[28 - 09 - 10, 02:44 م]ـ

2 ـ في نجد:

وظلت قبائل جهينة تُقيم في هذه الديار إلى أن وقعت حربٌ بينها وبين نزار - لا نعرف من أخبارها كثيراً -؛ اضطرت جهينة على إثرها للانتقال شرقاً حيت أَصْحَرَتْ في بوادي نجد ووديانها؛ ومن ثم قالت العرب عنهم: «هؤلاء صُحَار» كما يقول ابن دريد (18). على أننا لا نعرف العلاقة بين هذه التسمية وبين بلدة «صُحَار» الكائنة في عُمان (19)؛ والتي كانت مشهورة بالنسيج وبالأسواق العامرة.

أقامت جهيْنة ونهد وسعد بصُحار نجد زماناً لا نعرف مداه على وجه اليقين؛ لكنه لا يبدو قصيراً؛ يُسْتأْنس لذلك بقول البكري: (فكثروا وتلاحق أولاد أولادهم) (20). ولم نعرف من أخبارهم في نجد - بعد أن سكنوها - شيئاً غير سبب رحيلهم عنها قاصدين بلاد الحجاز؛ على إثر القتال الذي نشب هناك حين (وثب حزيمة بن نهد - وكان مشؤوماً فاتكاً جريئاً - على الحارث وعرابة ابني سعد بن زيد فقتلهما) (21)؛ فكانت هذه الحادثة أحد الدواعي والأسباب الرئيسة لأن تُولِّي جهينة وَجْهَهَا شَطَر بلاد الحجاز؛ وتستقر فيها لفترة من الزمن غير قصيرة.

3 ـ في بلاد الحجاز:

يُقصد بالحجاز ـ كما يعلم القارىء - جبل السراة، (أو الشراة) الذي يُمثل حدّاً فاصلاً بين تهامة ونجد؛ ذلك لأنه (أقبل من قُعْرةِ اليمن - وهو أعظم جبال العرب - حتى بلغ أطراف بوادي الشام؛ فسمته العرب حجازاً؛ وقطعته الأدوية) (22)؛ فعاد جبالاً سكنت جهينة كثيراً منها على ما يأتي تفصيله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير