تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قصّ البكري أنباء مسير جهينة من نجد إلى الحجاز - فيما نقله عن ابن الكلبي - فقال: (وكان أول أمر جهينة بن زيد بن ليث بن أسلُم بن الحاف بن قضاعة في مسيرهم إلى جبالهم وحلولهم بها؛ فيما حدثني أبو عبد الرحمن المدنيُّ عن غير واحد من العرب: أن الناس بينما هم حول الكعبة إذ هُم بخلق عظيم يطوف، قد آزَى رأسه أعلى الكعبة، فأجفل الناس هاربين؛ فناداهم: ألا لا تُراعوا؛ فأقبلوا إليه) (23) ... ، وعندئذ أنشدهم شعراً؛ ثم ما لبث الناس أن تبينوا أن هذا الخلق العظيم إنما هو امرأة؛ فسألوها عن شأنها؛ فقالت: (مَنْ يَنْحَرُ لي كلُّ يوم جزوراً؛ ويُعِدُّ لي زاداً وبعيراً؛ ويبلغني بلاداً قوراً (24)، أُعطِه مالاً كثيراً. فانتدب (25) لذلك رجلان من جهينة، فَسَارَا بها أياماً حتى انتهت إلى جبل جهينة).

ويمضي البكريُّ في روايته عن ابن الكلبي فيقول: (وناديا [أي الرجلان] هل من ماء؟؛ قالت: نعم؛ انْطُرَا في موضع هذا الهضاب ... ووجد الجهنيَّان عند الهضبة الماء، وهو الماء الذي يُقال له: (مشجر) (26) وهو ناحِية (فَرْش مَلَل) من مكة على سَبْعٍ أو نحوها، ومن المدينة على ليلة؛ إلى جانب (مثعر) ماءٍ لجهينة معروف؛ فيقال: إنَّهما بقيا بتلك البلاد؛ وصارت بها جماعة جهينة. وكانت بقايا من جذام سكان أرضٍ بتلك البلاد يُقال لها (يَنْدَد) فأجلتهم عنها جهينة .. ، فنزلت جهينة تلك البلاد؛ وتلاحقت قبائلهم وفصائلهم، فصارت نحواً من عشرين بطناً؛ وتفرقت قبائل جهينة في تلك الجبال ... وانتشروا في أوديتها وشعابها وعِرَاصِها، ... وأسهلوا إلى بطن إضم؛ وأعراضه؛ وهو وادٍ عظيم تدفع فيه أودية؛ ويُفرغ في البحر ... ثم استطالوا على الساحل، وامتدوا في التهائم وغيرها حتى لقوا بَلِيَّاً وجذام بناصية (حقل) من ساحل تيماء؛ وجاورهم في منازلهم على الساحل قبائل من كنانة ... فلم تزل جهينة في تلك البلاد وجبالها؛ والمواضع التي حصلت لها بعد الذي صار لأشجع ومزينة من المنازل والمحال التي هم بها إلى أن قام الإسلام وهاجر النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلم (27).

هذا عن مسير جهينة من نَجْد إلى بلاد الحجاز؛ أما المواطن التي استقرت فيها في بلاد الحجاز، ومارستْ منها دورها في مختلف شؤون الحياة العربية فقد أجملها «عَرَّامُ» مُشيراً إلى نطاقها العام دون تفصيل. قال عرام فيما يرويه السيرافي، بإسناده: (أولها رضوى من ينبع على يوم؛ ومن المدينة على سبع مراحل ميامِنَةً طريق المدينة، ومياسرةً طريق البُرَيْرَاء لمن كان مُصْعِداً إلى مكة؛ وعلى ليلتين من البحر؛ وبحذائها عَزور، وبينه وبين رَضْوى طريق الْمُعْرِقة (28) تختصره العرب إلى الشام، إلى مكة (29). وإلى المدينة بين الجبلين قدر شَوْطِ فَرَسٍ، وهما جبلان شاهقان منيعان لا يرومهما أحد ... ويسكن ذَرَاهما وأحوازهما (30) نَهْدُ وجُهَيْنَةَ في الوبر خاصَّةً دون الْمَدَر؛ ولهم هناك يَسَار ظاهر ... ومن عن يمين رَضْوَى لمن كان منحدراً من المدينة إلى البحر على ليلة من رَضْوَى (ينبع) (31)، وبها منبر، وهي قرية كبيرة غَنَّاء، سكانها الأنصار وجُهَيْنَة وليث (32) أيضاً، وفيها عيون عِذَابٌ غزيرة، وواديها يَلْيَلُ يصبُّ في غَيْقَة) (33).

وأكبر الظن أن جهيْنة احتفظت بهذا النطاق المكانِيِّ أو نحوه إلى زمن العلامة عبد الرحمن بن خلدون المتوفى في العقد الأول من القرن التاسع الهجري، يدل على ذلك قوله: ( ... ومِنْ أسلمُ سعد وهُذَيم وجُهَيْنة ونهد بنو زيد بن ليث بن سود بن أسلم، فجهينة ما بين الينبع ويثرب إلى الآن في متسع من بريَّةِ الحجاز ... وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم) (34). هذا عَرْضٌ عام لقصة ارتحال جهينة من نجد إلى الحجاز، وبيان إجماليٌّ للمدَى المكانيّ الذي اتخذته مستقراً لها ومُقاماً حتى مجيء الإسلام، ومنه يتبين أن منازل جهينة في الحجاز ـ في عمومها ـ كانت تشغل الجزء السهليّ من الأرض، الممتد من الجنوب إلى الشمال بين المدينة والشام، ومن الغرب إلى الشرق بين ينبع ويثرب مدينة الرسول الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم (35).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير