ولعلَّ مما يُفيد الباحثين في شؤون قبائل العرب أن نضع بين أيديهم - من خلال هذا البحث الموجز - ما وقفنا عليه من معلوماتٍ نحسبها ذات بال، تتعلق بأسماء كثير من القرى والمياه والوديان والجبال التي كانت منازل لجهينة، استقيناها من أوثق المراجع المَعْنِيَّةِ بهذا الموضوع؛ فهذه ثلاث قوائم؛ إحداها للهمدانيِّ، وثانيهما للبكريِّ، والثالثة لياقوت الحموي، رتبناها - كما ترى - حسب قِدَم المراجع:
قائمة الهمداني (ت نحو 350) (36):
الأشعر؛ الأجرد؛ يَنْدَد؛ مثغر؛ وادي غَوَى (رَشَد)؛ قُدْس؛ آرة؛ رَضْوَى؛ صِنْدِيد؛ إضم؛ الصَّفْرَاء؛ ساية؛ ذو خشب؛ الحاضر؛ ثقباء؛ نعف؛ بُوَاط؛ المُصَلَّى؛ بَدْر؛ جفجاف؛ رُهاط؛ وَدَّان؛ يَنْبع؛ الأثاية؛ الرُّوَيْثة؛ المَجْنَبِيّان؛ الرَّوْحَاء؛ حقل؛ ذو المروة؛ العِيْص؛ فيف الفحلتين؛ فيف الريح؛ خيبر؛ فدك؛ حرة النار؛ يَيْن؛ الرَّبَذَة؛ النقرة؛ إرَن؛ صُفَيْنَةُ؛ وادي القرى؛ الحَوْرَاء؛ العَرْج.
قائمة البكري (ت487هـ) (37):
الأشعر؛ الأجرد؛ مثعر؛ يَنْدَد؛ قُدْس؛ آرة؛ رضوى؛ صِنْدَد؛ إضم؛ ذو خشب؛ الحاضرة؛ لقف؛ العِيص؛ بُوَاطٍ؛ المُصَلَّى؛ بَدْر؛ جفاف؛ وَدَّان؛ يَنْبُع؛ الحَوْرَاء؛ العَرْج؛ الخَبْتِين؛ الرُّوَيْثَة؛ الرَّوْحَاء؛ حقل؛ ذوالمروة.
قائمة ياقوت (ت626هـ) (38):
أجرب؛ أجرد؛ الأشقر؛ شَعْر؛ وادي القرى؛ الحِجْر؛ الصَّفْراء؛ ذو المروة؛ ذَهْبَان؛ أَشْمَذَان؛ يَيْن (أين)؛ إضم؛ تَيْدَد؛ ظبية؛ الجَعْلان؛ جَبَل القَبَلِيَّة؛ قِرْس؛ حرّة النار؛ رَضْوَى؛ مثعر؛ الخَبَط؛ بُوَاط؛ حَرْحار؛ يَنْبُع؛ صُحَار؛ الأسْوَد.
بمقارنة هذه القوائم الثلاث يظهر ما يلي:
أولاً: أن جهينة ظلت تحتفظ بأماكنها القديمة تقريباً في بلاد الحجاز لأكثر من ثلاثة قرون على الأقل؛ يدل على ذلك ورود هذه الأماكن في قائمة البكري الذي عاش حتى أواخر القرن الخامس الهجري؛ وياقوت الذي عاش في القرن السابع الهجري. وهي نفسها تقريباً الأماكن التي ذكرها الهمدانيُّ الذي عاش في النصف الأول من القرن الرابع الهجري (39).
ثانياً: أن جهينة تَوَسَّعَتْ في بلاد الحجاز، فامتلكت بلاداً أُخرى لم تكن لها في القرون الأُولى؛ بدليل عدم ذكر الهمداني لها، في حين ورد بعضها في قائمة البكري، وبعضها في قائمة ياقوت الحموي، مثل: لقف ـ بدر ـ الختبين ـ أجرب ـ شَعْر ـ الحِجْر الصفراء ـ ذهبان ـ أشمذان ـ ظبية ـ الجَعْلان ـ جبل القبلية ـ قِرْس ـ الخَبَط. وهذا أمر طبعيٌّ، فالتوالد الذي يتبعه التكاثر بداهة، وطبيعة الْبَدْوِ في التنقل إلى حيث يُوجَدُ الماءُ والكَلأُ يستلزمَانِ هذه الظاهرة.
ثالثاً: اختفت من القوائم بعض الأماكن التي كانت لجهينة في العصور الأولى، ولا نعلم إن كان ذلك راجعاً إلى تبدل أسمائها، أم إلى رحيل جهينة عنها.
رابعاً: تحرفت بعض أسماء الأماكن التي كانت لجهينة؛ فوردتْ في القوائم المتأخرة على صورة تُخالف ما كانت عليه في قائمة الهمداني. وهذه الظاهرة مفهومة مُعَلَّلة، فالتقادم يُعَدُّ من أقوى أسباب التحريف في كل زمان ومكان، ليس تحريف الأماكن حسب، بل تحريف الأخبار والوثائق والنصوص وغير ذلك من آثار الإنسان المقتدم، أيضاً (40). من أمثال هذا التحريف الذي نحن بصدده - كما يُلاحظ في القوائم -: الأشقر بدل الأشعر؛ مثعر بدل مثغر؛ تَيْدد بلد يَنْدَد؛ صِنْدد بدل صِنْديد؛ جفاف يدل جفجاف؛ وهكذا.
للموضوع بقية ..
ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[30 - 09 - 10, 12:34 م]ـ
بعض آثار جهينة في بلاد الحجاز:
ولما جاء الإسلام وقامت دولته في المدينة (يثرب) بدأ اسم جهينة يظهر مقترناً بكثير من الأحداث السياسية التي شهدتها بلاد الحجاز؛ ورأيناها تُشارك - أفراداً وجماعات - في صُنْع الأحداث التي كان لها آثارها في انتشارها الإسلام وسيادة مبادئه؛ ففي السنة الأُولى للهجرة حدثنا الطَّبَريُّ عن صلاتٍ للرسول الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم بجهينة؛ وذلك عندَ عودته من غزوة الأَبْواء؛ وقبل وصوله إلى المدينة؛ فقد بعث، عليه الصلاة والسلام، عمه حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه في ثلاثين راكباً من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العِيص؛
¥