تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتبعاً لهذا الفرض لا بُدَّ من فَرْضٍ آخر مُؤَدَّاهُ: أن جُهينة كانت (أمَوِيَّة الهَوَى)؛ أو على الأقل: (عثمانية المنزع)؛ ولا نَعْدِم إشاراتٍ في المراجع تُرجح هذا الافْتِرَاض الأخير؛ فبالإضافة إلى ما يُمكن استنتاجه من مناصرة جهينة لثورة النفس الزكية ـ كما أوضحنا ـ، نجد في تراجم بعض الجهينيين في الشام ما يُشير إلى وقوفهم في موقعة صِفِّين إلى جانب الأمويين؛ وقتلهم بعض أصحاب عليٍّ من جلَّة الصحابة؛ والتفاخر بذلك؛ فقد ذكر ابن عبد البر أن الغادية الجهني قتل عمار بن ياسر الصحابيُّ الجليل؛ وأحد قادة جيش عليٍّ في موقعة صِفِّين (64)؛ فَتَشبُّعُ جُهَيْنَة للعلويين إذَن ومناصرتهم للنفس الزكية ربما كان منبعثاً عن دافعينِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ أحدهما إيجابي؛ وهو حبُّ الأمويّين؛ وثانيهما سَلَبِيٍّ؛ وهو كراهة العباسيين.

للموضوع صِله ..

ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[14 - 10 - 10, 12:18 م]ـ

ثالثاً: في مصر:

ولعلّ من المناسب أن نقول ـ في مستهل حديثنا عن جهينة في مصر ـ: إن عمدتنا في أخبارها في هذه الديار هو كتاب الحمداني المفقود (65)، وقد نقل هذه الأخبار عنه القلقشنديُّ في «قلائد الجُمَان» و «النهاية»، ثم المقريزيُّ في «البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب». وهكذا أمكننا أن نقف على شيء غير يسير من أخبارها.

لا نعرف ـ ولا من الميسور أن نعرف ـ على وجه اليقين في أي زمان بدأتْ هجرة جُهَيْنة إلى مصر؛ ذلك لأنَّ تسلُّلَ القبائل العربية أفراداً وجماعات إلى مهاجر جديدة من الأُمور التي يصعب رَصْدُهَا بِدِقَّة إلى حدٍّ كبير، ما لم ترتبط هذه الهجرات بأحداث كبيرة تفرض وجودها على عقول المؤرخين وأقلامهم، مثال ذلك: الفتح الإسلاميُّ لمصر وما اقترن به من اشتراك بعض القبائل فيه.

غير أن العلامة ابن خلدون أشار إشارة غير موقوتة بزمن، إلى هذا التَّسَلُّل السُّلَّمِيِّ لجهينة إلى مصر، فقال ـ بعد أن قرر أن مواطن جهينة في الحجاز ما بين «الينبع» و «يثرب» إلى الآن (توفي ابن خلدون سنة 808هـ)، وأنها على العدوة الشرقية من بحر القلزم ـ: (وأجاز منهم أُمَم إلى العدوة الغربية، وانتشروا ما بين صعيد وبلاد الحبشة، وكاثروا هنالك سائر الأمم) (66).

على أن الهجرات الجُهَنِيَّة المؤثرة إلى مصر لم تبدأ ـ فيما نرجح ـ إلا بعد ظهور الإسلام، كما هو الشأن في الشام والعراق، وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن أعداداً منها اشتركت في فتح مصر علي يد عَمْرِو بْن العاص. يقول ياقوت الحمويُّ عند حديثه على محلة الراية في مصر: (الرَاية هي محلة عظيمة بفسطاط مصر، وهي المحلة التي في وسطها جامع عمرو بن العاص، إنما سميت (الراية) لأن عَمْرَو بن العاص لما نزل محاصراً للحصن ... وكان في صحبته قبائل كثيرة من العرب، واختطَّتْ كُلُّ قبيلة «خُطَّةً بأرض مصر هي معروفة بهم إلى الآن، وكان في صحبته قوم من قريش ... وأشجع وجُهينة ... فلم يكن لكل بطن من هؤلاء من العدد ما ينفرد بدعوة في الديوان، وكره كل بطن أن يُدعى باسم قبيل غيره، وتشاحُّوا في ذلك، فقال عمرو بن العاص: فأنا أجعل رايةً ولا أنسبها إلى واحد منكم، ويكون موقفكم تحْتها، وتسمون منزلكم بها. فأجابوه إلى ذلك، فكانت الراية لهم كالنسب الجامع، وكان ديوانهم عليها، واختطوا كلهم في موضع واحد، فسميت هذه الخطة بهم لذلك) (67).

وفي «أنساب السمعاني» ما يحمل على الاعتقاد بأن جهينة بلغت من القوة في مصر حداً جعل شخصاً في قوة معاوية بن أبي سفيان يحسب لها ألف حساب، فيُسند إليها وظيفة من أكثر وظائف الدولة حساسية ودقة، تلك هي: ولاية الجند. تَرْجَمَ السَّمْعَانيُّ لأحد الأعلام فقال: ( ... وأبو عبس، ويُقال أبو حماد عقبة بن عامر ... بن رشدان بن قيس بن جهينة، الجهنيُّ، شهد فتح مصر، واختط بها، وولي الجند بِمَصْرَ لمعاوية بن أبي سفيان بعد عُتْبَةَ بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين ... توفي بمصر في سنة ثمانٍ وخمسين، وقبره في مقبرتها بالمقطم) (68).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير