وَإِدْغَامُ حَرْفٍ قَبْلَهُ صَحَّ سَاكِنٌ** عَسِيرٌ وَبِالإِخْفَاءِ طَبَّقَ مَفْصِلاَ
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ** وَفي المَهْدِ ثُمَّ الخُلْدِ وَالْعِلْمِ فَاشْمُلاَ
مسألة: لماذا عبّر الشاطبي في البيت الأول بكلمة (ورم) وعبّر في البيت التالي بـ (الإخفاء) مع أنهما يستويان في المقدار؟؟
قال الفاسي في شرحه: ( ... ورمها إن كانت ضمة وكسرة .. ) ص193
وقال ابن القاصح في شرحه: ورمها إن كانت ضمة أو كسرة إلا في الباء والميم ..... ) ص 44
وقال أبو شامة: فالروم هنا عبارة عن الإخفاء والنطق ببعض الحركة فيكون مذهبا آخر غير الإدغام وغير الإظهار.)) ا. هـ ص75
وبذلك قال الضباع في شرحه (ص75)
وأعيد السؤال مرة أخري: لماذا عبّر الشاطبي في البيت الأول بكلمة (ورم) وعبّر في البيت التالي بـ (الإخفاء) مع أنهما يستويان في المقدار؟؟
وقبل الجواب عن هذا السؤال نذهب للتعرف علي الفرق بين الروم والاختلاس.
قال العلامة احمد البنا في الإتحاف: أما الروم فهو الإتيان ببعض الحركة وقفا فلذا ضعف صوتها لقصر زمنها ويسمعها القريب المصغي وهو معنى قول التيسير: هو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب معظم صوتها فتسمع لها صوتا خفيا، وهو عند القراء غير الاختلاس وغير الإخفاء، والاختلاس والإخفاء عندهم واحد ولذا عبّروا بكل منهما عن الآخر.
والروم يشارك الاختلاس في تبعيض الحركة، ويخالفه في أنه لا يكون في فتح ولا نصب، ويكون في الوقف فقط، والثابت فيه من الحركة أقل من الذاهب.
والاختلاس يكون في كل الحركات كما في (أرنا، وأمن لا يهدي، ويأمركم) ولا يختص بالوقف، والثابت من الحركة فيه أكثر من الذاهب، وقدره الأهوازي بثلثي الحركة ولا يضبطه إلا المشافهة ... )) ا. هـ
وقال الشيخ عطية قابل نصر في كتابه (غاية المريد في علم التجويد)
: الرَّوم والاختلاس يشتركان في تبعيض الحركة إلا أن الرَّوم يخالفه فلا يكون في المفتوح والمنصوب على الأصح وهو رأي جميع القراء.
أما إمام النحو سيبويه فقد أجازه فيهما، إلى ذلك يشير الإمام الشاطبي بقوله:
ولم يَرَهُ في الفتح والنصب قارئ ** وعند إمام النحو في الكل أعملا
أما الاختلاس: فهم متفقون على أنه يكون في الحركات الثلاث.
كما أن الرَّوم الثابت فيه من الحركة أقل من المحذوف، وقدَّره بعضهم بالثلث.
أما الاختلاس: فالثابت فيه من الحركة أكثر من المحذوف وقدَّره بعضهم بالثلثين وكل ذلك لا يضبط إلا بالمشافهة.)) 138
وبعد معرفة الفرق بين الروم والاختلاس أقول: الشاطبي ـ رحمه الله ـ أراد في البيت الأول بكلمة (ورم) أن يكون الحديث عن المضموم والمكسور وأراد أن يُخرج الحرف المفتوح.
وأراد بكلمة (الإخفاء) الحركات الثلاثة في هذا النوع وهو الساكن الصحيح قبل الحرف المدغم نحو: (العفْو وأمر) حيث يؤدي إلي اجتماع الساكنين علي غير حدهما ـ أي من غير أن يكون قبل المدغم حرف مد أو لين نحو: فيه هدي ـ كيف فعل ـ
ولعل سائلا يستشكل قائلا: الروم والإخفاء يفترقان في مقدار الحركة وهذا يؤدي إلي اللبس .. فكيف لنا معرفة الفرق؟
الجواب: الروم إذا استخدم في الوصل حُمل علي الإخفاء في المقدار (ثلثي الحركة)، وإذا استخدم في الوقف حُمل علي معناه (ثلث الحركة)
والدليل علي ذلك: قال في الطيبة: ( ...... تأمنا أشم ورم لكلهم)
وعبّر الشاطبي بقوله: ( ............. ** وتأمنا للكل يخفي مفصلا
وأدغم مع إشمامه البعض عنهم ** .............. )
وابن الجزري أمن اللبس في هذا الموضع لأن الروم في الوصل يعادل الإخفاء في المقدار.ولأن روم الوقف معروف بأنه أقل في المقدار ـ كما سبق ـ.
والخلاصة: لما كان الروم في الوقف مقداره ثلث الحركة، والروم والاختلاس في الوصل مقدارهما ثلثي الحركة، أمن اللبس من جهة المقدار (الثلث والثلثان) لأن الروم وصلا مثل الاختلاس ـ كما مر ـ.
والشاطبي ـ رحمه الله ـ اختار لفظ الروم في الموضع الأول لإخراج الحرف المفتوح.وإدخال المضموم والمكسور
واختار في البيت الثاني الإخفاء لأجل إعمال الحركات الثلاثة.
ولو وضع أحدهما مكان الآخر، أو اكتفي بواحدة في الموضعين لفات المقصود من الحكم، ولحصل اللبس بين حكم المدغم مطلقا، وبين حكم المدغم الذي قبله ساكن صحيح.
¥