تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: \"كنتُ مع عقبة بن عامر الجهنيّ وكان رجلاً يحبّ الرمي. إذا خرج خرج بي معه، فدعاني يوماً، فأبطأتُ عليه، فقال: تعالَ أقول لك ما قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما حدّثني: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله عزّ وجلّ يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنّةَ: صانعه المحتسب في صنعته الخير والرامي به ومُنْبله. وقال: ارموا واركبوا! ولأنْ ترموا أحبّ إليَّ من أن تركبوا. وليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه وملاعبته امرأته ورميه بقوسه، ومن ترك الرمي بعد ما عُلّمه رغبةً عنه، فإنّها نعمة تركها\" (7). كذلك روى عنه عليه السلام قوله: \"ستُفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله عزّ وجلّ؛ فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه\" (8) وقوله: \"كلّ ميّت يُختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله؛ فإنّه يجري عليه أجر عمله حتّى يبعث\" (9)؛ فلا غرابة، بل من الفخر والاعتزاز أنّه لمّا توفّي كانت له بضع وستّون أو بضع وسبعون قوساً، مع كلّ قوس قرن ونبل. وكان قد أوصى بهنّ في سبيل الله (10).

ذكر ابن سعد (ت230هـ) عن الواقديّ (ت207هـ) أنّه شهد صفّين مع معاوية بن أبي سفيان وتحوّل إلى مصر، فنزلها وبنى بها داراً (11). قال الكنديّ (ت362هـ): \"ثمّ وليها عقبة بن عامر من قبل معاوية سنة أربع وأربعين، وجمع له صلاتها وخراجها\" (12)، ثمّ عزله بمَسْلمة بن مُخَلّّد، فكانت ولايته عليها سنتين وثلاثة أشهر، وذلك لعشر بقين من شهر ربيع الأوّل سنة سبع وأربعين (13). نظير ذلك ما قاله المؤرّخ ابن يونس (ت347هـ): \"شهد فتح مصر واختطّ بها وولي الجند بمصر لمعاوية ثمّ عزله بعد ثلاث سنين وأغزاه البحر\" (14)، إذ جعله عليه وأمره أن يسير إلى جزيرة رودس (15). توفّي في آخر خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين ودفن في مقبرة الفسطاط، مقبرة أهل مصر بالمُقطَّم (16).

عُرف بالعديد من المعارف والقدرات، فقيل بحقّه: كان قارئاً، مقرئاً، فقيهاً، عالماً بالفرائض، فصيح اللسان، شاعراً، كاتباً (17).

أمّا فيما يتعلّق بالقرآن، فكان له اشتغال بقراءته مع إخوانه من أهل الصفّة في المسجد؛ فقد جاء على لسانه: \"كنّا جلوساً في المسجد نقرأ القرآن، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علينا، فرددنا عليه السلام، ثمّ قال: تعلّموا كتاب اللّه! [إلى آخر الحديث] (18). كذلك كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن. قال له عمر بن الخطّاب مرّة: اعرضْ عليّ! فقرأ؛ فبكى عمر (19). روى أحاديث في فضائل الآيات والسور، منها قول الرسول عليه السلام له: اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة! فإنّي أُعطيتهما من تحت العرش\" (20).

أما وصفه بأنه شاعر، فلم أتمكن من الوقوف على بيت واحد من نظمه أو من إنشاده، ممّا يترك الأمر مفتوحاً دون توثيق هذه المعلومة بحقّه.

كذلك عرف الكتابة وأجادها، فوُصف بالكاتب؛ فكان من أجود صنيعه أن كتب بيده مصحفاً لنفسه، وذلك من باب الحرص الشديد على تدوين القرآن والاهتمام الشديد بحفظه وجمعه، كما كانت الحال عند البعض من الصحابة الكرام.

لقد تحدّثت بعض المصادر عن مصحفه. تمكّنت من الوقوف على أربعة منها. أقدمها \"تاريخ الإسلام\" للذهبيّ (ت748هـ)، حيث جاء فيه: \"قال أبو سعيد بن يونس: مصحفه الآن موجود بخطّه، رأيته عند عليّ بن الحسين بن قديد على غير التأليف الذي في مصحف عثمان. وكان في آخره: وكتبه عقبة بن عامر بيده. ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون: إنّه مصحف عقبة، لا يشكّون فيه (21).

يليه كتاب \"الانتصار\" 4/ 11 لابن دقماق (ت809هـ): \"قال ابن يونس: وتوفّي عقبة بن عامر سنة ثمان وخمسين. ودُفن في مقبرة بالمقطّم. ومصحفه بمصر إلى الآن بخطّه. قال: ورأيتُ له خطّاً جيّداً. قال ابن يونس: رأيته عند ابن قديد على غير تأليف مصحف عثمان وفي آخره: وكتبه عقبة بن عامر بيده\".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير