ثمّ \"تهذيب التهذيب\" 7/ 243 (439) لابن حجر العسقلانيّ (ت852هـ): \"قال أبو سعيد بن يونس: كان قارئاً، عالماً بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعراً، كاتباً. وكانت له السابقة والهجرة. وهو أحد مَن جمع القرآن. ومصحفه بمصر إلى الآن بخطّه على غير تأليف الذي في مصحف عثمان وفي آخره: وكتبه عقبة بن عامر بيده\". كذلك نقل عنه في \"الإصابة في تمييز الصحابة\" 4/ 520 (5605).
بعد نقل كلام ابن يونس كما مرّ في المصادر السابقة، لا بدّ من وقفة عليه واستقراء ما فيه من أخبار ومعلومات عن هذا المصحف. تُلاحظ النقاط التالية:
•جميع أصحاب المصادر الثلاثة يعوّلون في نقلهم على ابن يونس؛ وهو أبوسعيد عبدالرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المحدّث المؤرّخ المصريّ (ت347هـ). كان خبيراً بأحوال الناس ومطّلعاً على تاريخهم. جمع لمصر تاريخين: أحدهما يختصّ بالمصريّين والآخر يشتمل على ذكر الغرباء الواردين على مصر (22).
•الكلام عن مصحف عقبة بن عامر الجهنيّ المؤكّد على صحّة نسبته إليه.
•مصحفه مكتوب بيده، كما جاء في آخره.
•خطّه جيّد.
•محفوظ عند ابن قديد؛ وهو أبو القاسم عليّ بن الحسين بن خلف بن قديد المحدّث المصريّ (ت312هـ) (23).
•ترتيب السور فيه على غير ترتيبها في مصحف عثمان بن عفّان (ت35هـ) رضي الله عنه.
يُلاحظ كذلك أنّ ابن يونس مؤرّخ انصبّ اهتمامه بهذا المصحف على ثلاث مسائل أساسيّة، هي: ماهيّة العمل (مصحف)، وصحّة نسبة هذا العمل لصاحبه (عقبة بن عامر الجهنيّ)، وأخيراً مكان وجوده (بمصر عند ابن قديد). من الجدير بالتنبيه هنا أنّ ابن يونس لم يتحدّث عن تاريخ كتابة المصحف، ممّا يعني بالضرورة أنّ هذا المصحف كان خالياً من تاريخ كتابته، لأنّ هذا الأمر ما كان ليفوت هذا المؤرّخ وهو من أولويّات اهتمامه أن يذكره، لو كان مضبوطاً. أمّا وصفه للمصحف فجاء شبه معدوم، بل هو أقرب إلى أن يكون مجرّد انطباعات عامّة ممّا لمسه وشاهده، جاءت مقصورة على أمرين: كون الخطّ جيّداً، أي واضحاً، وترتيب سوره على غير ترتيبها المعهود في المصاحف العثمانيّة.
في الحقيقة لا يوجد حتّى في هذين الأمرين ما يفي بالحدّ الأدنى من الوصف المتوقّع؛ فهو لم يحدّد نوع الخطّ ولا طبيعة معالمه من جهة، ولم يذكر مثالاً واحداً على اختلاف ترتيب السور من جهة أخرى.
يُضاف إلى ذلك أنّه لا وصف لرؤوس الآي، إذا كانت معجومة أو غير معجومة، ولا لأوائل السور وخواتمها؛ فلو كان الكلام عن وصف حقيقيّ، لشمل بالإضافة لما أشرتُ إليه قبل قليل أموراً أخرى، نحو:
وجود الإعجام (نقاط الإعجام للأحرف المشتبهة) أو خلوّه.
هل على المصحف كسوة أو غطاء أم لا؟
هل هو مفضّض أم مذهّب أم لا؟
هل المصحف كامل النصّ أم فيه نقص أو سقط أو بعض الانهدامات؟
هل هو مكتوب على الرق أو على شيء آخر؟
لا وصف على سبيل المثال لرسم تلك الألفاظ التي هي موقع اختلاف في مرسوم مصاحف أهل الأمصار.
فالحاصل أنّ عدم التطرّق في الوصف إلى مثل هذه الأمور التي هي من الأهمّيّة بمكان يجعل من الصعب، بل من المستحيل إصدار تقييم شامل بحقّ هذا المصحف.
رغم ذلك كلّه تسترعي إشارة ابن يونس إلى مسألة ترتيب السور في مصحف عقبة بن عامر الجهنيّ انتباهاً شديداً وتوجب الوقوف عليها؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
هل ينفرد مصحفه بهذا الأمر عن سائر المصاحف الخاصّة أم أنّه يوافقها فيه بالمقارنة مع المصاحف العثمانيّة؟ الجواب على هذا السؤال هو أنّه يوافق سائر المصاحف الخاصّة في عدم التزام ترتيب محدّد للسور؛ \"فمنهم مَن رتّب في أوّل مصحفه الحمد ومنهم من جعل في أوّله (اقرأ باسم ربّك الذى خلق)، وهذا أوّل مصحف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فيما رواه عنه الزبير بن عبد الله بن الزبير عن زياد الأخرم، قال: مررتُ على محمّد بن عمر بن عليّ، فقال: ألا أُريك يا زياد مصحفَ عليّ؟ قال: فأراه، فإذا أوّله: (اقرأ باسم ربّك الذى خلق). فأمّا مصحف ابن مسعود، فإنّ أوّله فيما رُوي (ملك يوم الدين) ثمّ البقرة. روى ذلك طلحة بن مصرّف أنّه قرأ على يحيى بن وثّاب وقرأ يحيى على علقمة وقرأ علقمة على عبد الله وأنّ تأليف مصحفه: (ملك يوم الدين) ثمّ سورة البقرة ثمّ سورة النساء ثمّ كذلك على ترتيب
¥