روى ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين أنهما سألا رسول الله ? فقالا: يا رسول الله قد حرّم الله الميتة فماذا يحلّ لنا منها؟ فنزلت: ? يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ?.
وعن الحسن في قوله: ? وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ?، قال: كل ما علم فصاد من كلب أو صقر أو فهد أو غيره.
قال ابن جرير: فقوله: ? مُكَلِّبِينَ ? صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه.
وقوله تعالى: ? تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ?.
قال البغوي: ? تُعَلِّمُونَهُنَّ ? تؤدبوهن آداب أخذ الصيد، ? مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ?، أي: من العلم الذي علمكم الله. قال ابن عباس: إن المُعَلَّم من الكلاب: أن يمسك صيده، فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه، فيدرك ذكاته فلا يأكل من صيده. وقال طاوس: إذا أكل الكلب فهو ميتة فلا تأكل. وقال إبراهيم: إذا أكل البازي، والصقر من الصيد فكل، فإنه لا يعلّم. وروى ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فما يحلّ لنا منها؟ قال: «يحلّ لكم ما علّمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علّمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه». ثم قال: «ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه، فكُلْ مما أمسك عليك». قلت: وإن قتل؟ قال: «وإن قتل، ما لم يأكل»، قلت: يا رسول الله وإن خالطت كلابنا كلابًا غيرها؟ قال: «فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك»، قال: قلت: إنا قوم نرمي فما يحل لنا؟ قال: «ما ذكرت اسم الله عليه وخزفت فكل».
قال ابن كثير: اشترط في الكلب أن لا يأكل، ولم يشترط ذلك في البزاة فدل على التفرقة بينهما في الحكم والله أعلم.
وقوله تعالى: ? فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ?، قال قتادة: إذا أرسلت كلبك المعلّم، أو طيرك، أو سهمك، فذكرت اسم الله فأخذ، أو قتل، فكل. وقال الضحاك: إذا أرسلت كلبك المعلّم فذكرت اسم الله حين ترسله، فأمسك، أو قتل هو حلال، فإذا أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسكه على نفسه. وقال ابن عباس: إذا أرسلت جوارحك فقل: بسم الله إن نسيت فلا حرج.
قوله عز وجل: ? الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) ?.
قال ابن جرير: يعني جل ثناؤه بقوله: ? الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ?: اليوم أحل لكم أيها المؤمنون الحلال من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.
وعن مجاهد: ? وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ?، قال: الذبائح. وقال الضحاك: أحلّ الله لنا طعامهم ونساءهم. وعن الشعبي أنه كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وقرأ: ? وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ?.
وقوله تعالى: ? وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ?، عن مجاهد: ? وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ?، قال: الحرائر. وقال الشعبي: إحصان اليهودية والنصرانية أن لا تزني وتغتسل من الجنابة. وعن ابن عباس: قوله: ? مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ?، يعني: ينكحوهن بالمهر والبيّنة ? غَيْرَ مُسَافِحِينَ ? متعالين بالزنا، ? وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ?، يعني: يسرّون بالزنا. وسئل الحسن: أيتزوج رجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ماله ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات؟ فإن كان لا بد فاعلاً فليعمد إليها حصانًا غير مسافحة. وعن عطاء: أن الرخصة كانت مختصةً بذلك الوقت؛ لأنه كان في المسلمات قلّة، وكان عمر لا يرى نكاح الكتابيات أصلاً متمسكًا بقوله تعالى: ? وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ?.
قلت: وأكثر اليهود والنصارى في هذا الوقت دهرية، ولا يتمسكون بكتاب.
وقوله تعالى: ? وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ?، قال عطاء: الإِيمان: التوحيد. والله أعلم.
* * *
يتبع ...
¥