تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة، لأن قوله: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} إلى قوله: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة، وأن الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء.

فدل ذلك على أن قوله: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة:7] عام في جميع أهل المحشر، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين منهم من هو من الأمم السابقة، ومنهم من هو من هذه الأمة.

وعلى هذا، فظاهر القرآن، أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة، لأنه عبر في السابقين من هذه الأمة بقوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} وعبر عن أصحاب اليمين من هذه الأمة {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ}.

ولا غرابة في هذا، لأن الأمم الماضية أمم كثيرة, وفيها أنبياء كثيرة ورسل، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها.

أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم، لأن الثلة تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر، مع أنهما كلاهما كثير.

ولهذا تعلم أن ما دل عليه ظاهر القرآن واختاره ابن جرير، لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة.

فأما كون قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} دل ظاهر القرآن على أنه في خصوص السابقين، فلأن الله قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ثم قال تعالى مخبرا عن هؤلاء السابقين المقربين: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}.

وأما كون قوله: {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} في خصوص أصحاب اليمين، فلأن الله تعالى قال {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لاصحاب اليمين ثلة من الاولين وثلة من الآخرين}، والمعنى هم أي أصحاب اليمين: ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، وهذا واضح كما ترى.

قوله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}.

السرر جمع سرير، وقد بين تعالى: أن سررهم مرفوعة في قوله في الغاشية: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية:13] وقوله تعالى: {مَوْضُونَةٍ} منسوجة بالذهب، وبعضهم يقول بقضبان الذهب مشبكة بالدر والياقوت، وكل نسج أحكم ودوخل بعضه في بعض، تسمية العرب وضنا، وتسمى المنسوج به موضونا ووضينا، ومنه الدرع الموضونة إذا أحكم نسجها ودوخل بعض حلقاتها في بعض.

ومنه قول الأعشى:

ومن نسج داود موضونة تساق مع الحي عيرا فعيرا

وقوله أيضا:

وبيضاء كالنهي موضونة لها قونس فوق جيب البدن

ومن هذا القبيل تسمية البطان الذي ينسج من السيور، مع إدخال بعضها في بعض وضينا.

ومنه قول الراجز:

ليك تعدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها

مخالفا دين النصارى دينها

وهذه السرر المزينة، هي المعبر عنها بالأرائك في قوله: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} [الكهف:31] وقوله: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس:56] , وقوله في هذه الآية الكريمة: {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير في قوله: {عَلَى سُرُرٍ} والتقدير: استقروا على سرر في حال كونهم متكئين عليها.

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونهم على سرر متقابلين، أي ينظر بعضهم إلى وجه بعض، كلهم يقابل الآخر بوجهه، جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى في الحجر: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] وقوله في الصافات: {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ, فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ, عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات:42 - 44].

ـ[ابو فراس المهندس]ــــــــ[23 - 06 - 10, 11:52 ص]ـ

الأربعاء.


> 23/ 06/2010.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير