2 - المتدبر للسنن القرآنية يجدها قواعد كلية، مترابطة، متسقة، يربطها خيط رفيع بين الأسباب ومسبباتها، وبين الأعمال ونتائجها، كأنها معادلات رياضية تتحكم في الكون ونواميسه؛ فكلما حصلت المقدمة حصلت النتيجة.
] وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [(التغابن: من الآية11). وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [(الطلاق: من الآية2).] فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [(البقرة: من الآية 10).
3 - تمتاز السنن الإلهية بكونها مطردة متلاحقة على نسق واحد لا تبديل لها ولا تغيير يعتريها.
4 - تأتي السنن الإلهية مجملة أو مفصلة، وسواء تعلق الأمر بالكليات أو بالجزئيات، فهي كلها ذات طابع شمولي.
5 - يأتي الجزاء في السنن الإلهية من جنس العمل، وتشكل أساس الحق – طبعا قد تختلف فيما لا يليق بجلال الله سبحانه وتعالى-
6 - المرحلية والإجرائية:
إن من يطالع سنن الله في كونه وفي كتابه، ويدرس كيف تتحول عوامل الصراع من أصل إلى نقيضه، وكيف تأتي تحولاتها عبر مراحل زمنية تتغير وفق كل سنة على حدة،-
{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]
ما كان لمن يدرك السنن الإلهية أن يغفل أهمية العامل الزمني ووقعه وتأثيره في الواقع والأحداث.
ولما أهمل فقهاؤنا العناية بالزمن وأثره في الأحداث والوقائع ولم يعيروه ما يستحق من اهتمام ضاع منهم فهم السنن الإلهية.
وحيث كان لتأثيراتها علاقة بالقضاء والقدر، كشأن من يبرر عجزه بالاستقالة من منصبه. أقول هذا رغم ما أصلوه من قواعد فقهية منها:
- "ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه": بناء على قاعدة استصحاب الحال؛
- " يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء".
-" من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه". (شرح القواعد الفقهية لمصطفى الزرقا،)
نعم كل الأمور تجري بقضاء وقدر، لكن ما جدوى التعليلات التي قدمها لنا القرآن إبرازا لتأثير الأسباب ومسبباتها في هذا الوجود؟ فالله جل شأنه لا يسأل عما يفعل ومع ذلك يعلل ويبرهن لنا كيف أقام الكون بناء على أسباب ومسببات.
ولكم طالبنا القرآن بمراجعة أنفسنا كلما مستنا ضراء من أجل استخلاص العبر والعظات؛ فهما عن الله لقانون آياته الكونية والقرآنية.
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [[آل عمران:165].
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11].
وقد لا يتجلى فهم واستخلاص مضامين الآيات الكونية بوضوح لا غبار عليه، إلا في ظرف بضع سنين، بخاصة معظم ضوابطها؛ الشيء الذي فوت فرصة الفهم الشمولي على من لم يصبر على طول هذه الحقبة الزمنية.
ولو رجعنا إلى كتاب الله واستنطقناه عن دلالة المراحل الزمنية لانكشفت لنا علوم يقينية تتأتى عبر مراحل حددتها السنن الإلهية ببضع سنين.
د- السنن الإلهية: علم من علوم الآلة؛
بهذه الخصائص السابقة الذكر مجتمعة تدخل السنن الإلهية المجال العلمي من أوسع أبوابه؛ فهي عدل، وهي شمولية، وهي مطردة، وهي هادفة ترسم أصل كل السنن.
ولا تتميز سنن الله القرآنية بكونها ضوابط للعلوم الإنسانية فقط، بل تمتد لكل العلوم، دقيقها وجليلها.
يقول سيد قطب رحمه الله: " ... فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانا ثابتا؛ ترجع إليه البشرية لتقويم الأعمال والأحداث والأشياء والرجال، وتقيم عليها حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء، واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع. ميزانا لا يحابي أحدا؛ لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد؛ لأن الله رب الجميع.
¥