تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

10 - تفنيدُ دليلٍ واحد من أدلتك أو إبطالُه من جانِب المخالف لا يعني أنه هو المنتصر, وان رأيه هو الراجح، لأن ذلك لا يكفي حتى يسري البطلان على سائر أدلتك, بل الحجة ليست منحصرة في دليل واحد من الأدلة, بل الحجة في مجموع تلك الأدلة, بل من الخير لك أن لا تتمسك بالدليل الضعيف, فإنك بهذا قد تضعف الثقة بدليلك القوي. فلا يفت في عَضُدِك أن يُفَندَ دليل من أدلتك, فإن هذا قد يضعف ثقة المرء ببقية أدلته – ولو من طرف خفي – وإنما عليك ان تشمل الأدلة كلها بنظرك, فليست الحجة منحصرة في ذلك الدليل فقط.

11 - ينبغي لطالب الحق – إن عرضتْ له محنة – أن لا يتطير مِنْ طَلبِ الحق, فيكون من الذين يعبدون الله على حرف ... بل يجب عليه أن يصبر ويستبشر بفضل الله سبحانه، وأن يعلم أن للطريق هذا علامات: منها الابتلاء والاختبار بالمحن وغيرها، نسأل الله السلامة والسداد.

12 - احذر أيها الداعي للحق والمجادل من أجله أن تصرف الناس عن الحق, بسلوكك وأخلاقك الخاطئة, مع انتسابك للشريعة أو العلم أو الدعوة, فما أكثر اقتداء الناس بالعالم في أخطائه - لموافقتها أهواءهم – دون صوابه, وما أكثر ما يحتجون بذلك.

13 - ينبغي أن تحترس مما قد يَدخُل على نفسك من شعور خفي – وأنت تجادل المخالِف – من رغبة في انتصارك عليه حمية لنفسك لا للحق, فيلتبس عليك الأمر, لما تخدعك به نفسك من التظاهر باستصحابِ أصل النيةِ المخلصة التي حملتْك على المجادلةِ, فإنك إذا انخدعت بذلك تحولَتْ نيتُك لغير الله, وأصبحتَ تجادل عن نفسك لا عن الحق – وإن لم تشعر – فما أحراك بالهزيمة, وما أحرى عملك أن يُرَد عليك ولو انتصرت, نعوذ بالله من الخذلان في الدنيا ومن الخزي في الآخرة.

14 - عندما تتصدى للرد على المخالف أو على الشبهات, قد يستولي عليك شعور خفيٌ بضرورة التخلص مما يَعيبُهُ الخصم, قبل أن تتحقق من صدق دعواه بأن ذلك أمر يُعاب, فإياك أن تستلم لمثل هذا الشعور, وإلا تكن قد استخدمْتَ عقل المخالف, بل ربما هواه, مقياساً للنظر في دينك أو منهجك من حيث لا تشعر!

15 - تدعو الرغبة في تفنيد أوهام المخالف أو أخطائه إلى الاطلاع أولاً على مصادره والتعرف على أدلته, فإن تقصيرك في هذا قد يبدو كأنه قصور في أدلتك على ما تدعو إليه من حقٍ, فعليك أن تدرك هذه الحقيقة, وأن تَعْلم أنه عندما يكون المخالِف أعلم منك بتخصصه – الذي يَلْزمك الاطلاع عليه كي ترد قوله من خلاله – فإنه سينكشف له ضعف اطلاعك على تخصصه, ولعله – بعد ذلك – أن ينخدع بهذا, فيقيس ضعفَك هذا على ضعفٍ منك يتخيلُهُ في إدراكك صوابَ ما تدعو إليه, فتكون أنت فتنةً له.

16 - يجب أن تَتبعَ في المسائل الخلافية وغيرها قاعدة: (إيثار الحق على الخَلْق) , فتتجاوز كل الأسباب والعوائق المانعة من تطبيق هذه القاعدة. وينبغي أن يكون الإنسان باحثاً عن الحق بصدق ونزاهة, فيسلك طريق الوصول إليه, ويحْتكم إلى الأدلة والقواعد الصحيحة, ويبتعد عن كل ما يصده عن الحق, وإن كان ممن يُحِبُ أو من يربطه به نسب, أو أي علاقة أخرى, وعليه أن يُمحص رغبته في طلب الحق, صارفاً النظر عن إرضاء من لا يرضيه الحق. ولا ينبغي أن يكون هدفه إرضاء الصديق أو الموافق, فيكون كمن قال فيه أحد الفضلاء. شأنهُ شأن المحامين في المَحَاكِم, معيار الحق عند أحدهم مصلحة موكله!

17 - ينبغي لمن يجادل غيره دعوةً للحق أن يتعرف على الأسباب الصارفة للإنسان عن إدراك الحق أو اتباعه ليبتعد هو عنها ويسعى في إبعاد غيره عنها.

18 - ينبغي لمن يجادِل غيره أن يَعْلم ان الفرق قد يكون كبيراً - موضوعياً ومنهجياَ – بين قناعة الإنسان النفسية في أمرٍ ما, وبين دلالة الدليل على تلك القناعة. ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من الباحثين الخلْطُ بين قناعته بوجهة نظر معينة, وبين دلالة الدليل على ذلك الرأي.

19 - عليك أن تعلم يا صاحب الحق أن من أهم عدتك في المحاجة العلمية للمخالفين الالتزام بالمنهج العلمي السليم في استدلالك ونقدك, لأن المنهج العلمي السديد من شأنه ان يؤيد الحق والصواب لا الباطل, والتزامك به يساعد في إظهار ما لديك من الحق وإيضاحه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير