تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

20 - ينبغي أن تَعْلم أن الحق لا يضره البحث والتحقيق, بل ذلك من صالحه, لأنه يجليه ويزيده وضوحاً, ولا يُظهر فيه عيباً أو خللاً طالما أنه حق, ولهذا لا ينبغي أن يخاف صاحب الحق من البحث والمناظرة أو من تحقيق الآخرين أو تثبتهم, لكن عليه أن لا يضر الحق بضعفه بسبب تفكيره, أو خطئه أو جهله, أو عدم تمكنه من معرفة الحق. إن المتضرر الوحيد من البحث والتحقيق هو الباطل وكذلك صاحب الباطل إذا كان متعصباً له غير راغبٍ في الحق.

21 - ينبغي أن يَعْلم صاحب الحق المُجادِل عنه بأَنَّه قد تُواجِهه شبهةٌ واهيةٌ متدنيةٌ في السخف يَرُدُّ بها صاحبُها الحقَّ, ومع ذلك فقد تؤثر نوع تأثير في نفس صاحب الحق, لأنه عندما يَنْظر في هذه الشبهة من حيث هي يجدها تنقض دعواه, وعندما يَنْظر فيها للرد عليها لا يسعفه الرد لتدنيها في السخف, ولا شك أن مثل هذا يصعب الرد عليه بأسلوب علمي, لأن للعلم والأدلة العلمية مجالاً وللتخرصات والأوهام مجالاً.

22 - ينبغي لصاحب الحق إذا واجهتْهُ شبهة واهية يصعب ردها – لتدنيها في السخف – ان يَعْلم أن تلك الشبهة ليست دليلاً لرد الحق أو لتركه, ومن أسباب ذلك أنه ليس كل إيراد يَرِدُ, ولا كل إيراد يستحق الرد, وليس مثل تلك الإيرادات مُحْتَكَماً, إنما المُحْتكَم في هذا نصوص الوحي, والعقل المتزن.

23 - ينبغي لصاحب الحق أن يَعْلم أنه ليس كل شبهة يلزم الرد عليها بأسلوب آخر غير الأسلوب العلمي.

24 - لا يوقعنك حماس الرد على المخالِف أو صاحبِ الشبهة في إنكار شيء ثابت من دينك, فكثيراً ما يوقع الحماس في مثل هذا, من حيث يشعر المرء أو لا يشعر.

25 - ينبغي أن تَعْرِف الرجال بالحق, لا أن تَعْرف الحق بالرجال, لأن الرجال يخطئون أو لا يَثْبتون دائماً, ولأن الرجال يموتون, ولكن الحق ثابت لا تعتريه تلك العوارض.

26 - لا يصرفْك صلاح الرجل عن التحقيق في صحة منهجه كما أنه ينبغي أن لا يصرفك صحة منهج الرجل عن النظر إلى مدى صلاحه وإخلاصه, إذ إنه لا بد من الأمرين معاً:صلاح النية، وصحة المنهج.

27 - النفي والإثبات لا يصحان إلا بدليل, ولا دليل إلا ما يَثْبتُ به العلم, سواء بالنسبة لنفي الأشياء أو الأحكام وإثباتها, وسواء كانا متعلقَيْن بأمور الدنيا أم بأمور الدين, وسواء كانا نفياً أو إثباتاً متعلقين بالنقل أم بالعقل. فلا بد من أن يكون نفي النافي بدليل يصح سواء أكان بدليل النقل الصحيح أم بدليل العقل الصحيح, ولا بد أن يحكون إثبات المثبت بدليل يصح.

27 - مما ينبغي أن يتنبه له المناقِش للشهبات ومن يجادل المخالفين – بعد ثبوت دليل المخالف – التعرف على الغرض من الاستدلال بالدليل الصحيح, وهل هو استدلال صحيح؟ أو هل المخالِف ساق الدليل الصحيح لغرضٍ صحيح؟ إن كثيراً من الناس لا يحسنون التعامل مع الأدلة الصحيحة في ذاتها من حيث هي نصوص أو روايات ونقْل، إن من الناس من لا يفهم الدليل الصحيح في ذاته فهماً صحيحاً, فيستدل به على ما لا يدل عليه! ومنهم من يستغل الدليل الصحيح في ذاته استغلالاً سيئاً, فيسعى إلى تمرير شبهته أو رأيه الخاطئ عن طريق ذلك الاستغلال السيئ للدليل!.

29 - تحرير محل النزاع ومحل البحث والنظر في باب المجادلة والحوار والنقاش من أهم القواعد التي يجب اتباعها, لأنه لا يصح أن يكون الجدال فيما ليس فيه خلاف في الحقيقة بين الطرفين! كما لا يصح أن يجري الجدال والنقاش أو الحوار بين الطرفين في مسألتين مختلفتين كل منهما يقصد بجداله إحداهما في آن واحد! ولا يُنْقِذ من هذه المضحكات إلا قاعدة تحرير محل النزاع أو البحث والنظر.

30 - ناقشْ نفسك قبل مناقشة الآخرين, فإن هذا من علامات التجرد للحق. فابدأ أولاً بسؤالك نفسك عن أدلة رأيك, لترى هل عندك أدلة تُثْبتُ بها ما تذهب إليه أم لا؟ فإن بدتْ لك أدلة ناقشْ فيها نفسك لترى هل يصح لك الاستدلال بها أم لا؟.

31 - من المتعين على المرء المسلم الرجوع إلى الكتاب والسنة والصدور عن حكمهما وترسم هديهما في كل شيء, ومن هنا فإن عليه في هذا الباب أن يعود إلى نصوص الكتاب والسنة وما ورد فيها من محاورات وجدل ومسالك استنباط واستدلال, فيراعي ذلك ويطبقه عملياً. ولكن هذا متوقف – بعد الإيمان – على التدبر ومنهج الفهم.

32 - الرجوع إلى قواعد أصول الفقه ومنهج الاستنباط وقواعد اللغة وأساليبها ودلالاتها على المعاني ومراعاة ذلك كله والإفادة منه في باب الحوار والجدل أمر له أهميته, فينبغي للباحث والمشتغل بهذا المجال أن يُعْنى به نظريا وعملياً.

33 - ينبغي لطالب الحق والداعي إليه الحذر من الخطأ الشائع الذي يقع فيه كثير من المتحاورين, وهو الالتقاء ليرد كلٌ منهم على الآخر, وليس ليتعرفا على الصائب من الرأيين! و مِثْلُ هذا الخطأ لا يصح أن يكون هدفاً دائماً، بل هو سبب اشتداد الخلاف بين المتحاورين وعدم توصلهما إلى نتيجة.

34 - إذا جادلت وجاهدت فانتصر الحق على يديك فإياك والغرور والرضا بمدح الناس لك ثمناً أو أجراً ورؤيتك عملك, فإن ذلك محبِطٌ له, ورضاك بذلك ثمناً لجهدك خسارة لك في الدنيا وفي الآخرة, والشيطان حريص عليك منذ أن بدأت العمل, فإذا لم يظفر بك في كل أحوال العمل, فإنه حريص ويرضى منك في الوقت نفسه بمثل هذه النهاية!! فإياك أن ترضى بما يسخطه الرحمن ويرضاه لك الشيطان, والله المستعان!.

8/ 12/1431هـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير