تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تحت نفس العنوان (عهد القطع)، الذي أُعطي للإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين، نجد النص الذي بين أيدينا، يتحدث على نفس الموضوع، بروح أكثر ارتباطا بالدين والقيم والأخلاق والآخرة، حيث يبدأ النص بالحديث عن ظهور الله لإبراهيم من أجل تهدئة ضميره بعد الحرب التي خاضها، وخصوصا وقد أزهقت فيها دماء الأبرياء مما سبب لإبراهيم كثيرا من عذاب الروح، وبشره ربه أنه سيكون في ذريته في المستقبل رجال أتقياء يكونون درعا لأجيالهم، مثلما هو إبراهيم الآن [9]. وزيادة في التفضيل فقد سمح له الله أن يسأل ما يريد، فقال إبراهيم: إن كانت ذريتي ستثير غضبك في المستقبل، فمن الأفضل أن أبقى عقيما، وسيكون من دواعي سروري أن يكون لوط وارثي، إضافة إلى أني قرأت في النجوم إني لن ألد أولادا [10]. فأصعده الله إلى قبة السماء وقال له: أنت نبي ولست منجما، ولم يسأل إبراهيم ربه عن أي آية ليعلم أنه سينعم بذرية، واكتفى بأن آمن بما قال الله له، فحسبه له برا، وجزاه عليه بأن أعطاه نصيبا في هذا العالم ونصيبا في العالم الآخر على إيمانه القوي بالله [11]. ورغم هذا الإيمان فإن إبراهيم كان يريد أن يعرف ما الذي تحتاجه ذريته للحفاظ على نفسها، فأمره بالتضحية بمجموعة من البهائم والطير، ليعرف مختلف القرابين التي ينبغي تقديمها في المعبد للتكفير عن الخطايا والحصول على مزيد من العناية، فسأله عما يعملون بعد تدمير المعبد، فقال له: "يحافظون على قراءة أمر القرابين فتحسب لهم كأنهم قدموها، وأغفر لهم جميع خطاياهم، ثم ربط له بين الذبائح والسلطات القائمة، بابل والإغريق والفرس والإسماعيليين، وإسرائيل هي الحمامة البريئة [12]. فأخذ إبراهيم الحيوانات وشقها من الوسط، ولم يشق الطيور، ووضع شطور القطع مقابل بعضها البعض، فعادت الحيوانات إلى الحياة وحلقت الطيور في السماء [13]. وبينما إبراهيم يعد الذبائح وقع عليه سبات عميق، ورأى دخان نار جهنم التي أعدت للآثمين، ورأى مشعل نار وحي سيناء، ورأى القرابين تحمل من طرف بني إسرائيل، وحل عليه رعب مع ظلمة شديدة، إنها سيطرة الممالك الأربع، وقال له الله بأن لليهود خياران فإما أن يلتزموا بدراسة التوراة وخدمة المعبد، وإما ينالون نار جهنم أو تسلط الغرباء. وإذا اختاروا الخيار الأول فلن يصل إليهم شيء، وإن اختاروا الخيار الثاني فعليهم أن يختاروا بين عذاب جهنم عند الله أو تسلط الغرباء في الدنيا، فاختار إبراهيم تسلط الغرباء في الدنيا [14]. عندها أعلمه الله بالاستعباد الذي سيكون لبني إسرائيل في مصر أربعمائة سنة، وأعلمه بتسلط الممالك الأربع، وأن الله بعد ذلك سيعاقب هذه الممالك ويدمرها [15].

هذه قراءة أخرى لنفس النص، تحمل أبعادا دينية مهمة، وتعيد للنص الأول كثيرا من معانيه التي فقدها بسبب الروح العنصرية البغيضة؛ فإبراهيم ليس طالب دنيا، ولا همه الدنيا دون الآخرة، ولا رغبته في الاستيلاء على أراضي الناس وطردهم منها وإسكان ذريته مكانهم، وفي هذا النص نجد حديثا مهما عن الدين والآخرة، فإبراهيم نبي وليس منجما، وهو يرجو أن ينال نصيبا في الدنيا ونصيبا في الآخرة، وذريته التي ستسخط الله أو تغضبه لا حاجة له بها، وهمه كيف تحفظ ذريته نفسها في مستقبل أيامها في الدنيا والآخرة، وكيف تعتني بنفسها وتنجو من تسلط الغرباء ومن عذاب جهنم الذي خصص للآثمين؛ وأما الذبائح التي قدمها إبراهيم، ففي القراءة الأولى فهي آية على استيلاء بني إسرائيل على أراضي الشعوب التي يعيشون بينها، والمعجزة فيها أن عمودا من الدخان والنار مر بين القطع؛ وفي القراءة الثانية فهي آية على كيفية حفظ بني إسرائيل لنفسها من الانحراف عن دراسة التوراة وخدمة المعبد، والنجاة من تسلط الغرباء ونار جهنم، وفي هذه القراءة تعاد للحيوانات المقطعة الحياة وتحلق الطيور في السماء فتدل على ما ينبغي أن تدل عليه؛ وإن مزيدا من المدارسة المتدبرة بين القراءتين لتكشف لنا عن جوانب كثيرة جدا في موضوع اليوم الآخر عند اليهود.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير