تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وبدأ الولد يفهم ضلال الأرض. (فعرف) أن كل شيء كان يضل باتباع الصور المنحوتة والنجاسة. وعلمه والده الكتابة، (عندما كان) عمره أسبوعين من السماوات. وترك أباه لكي لا يعبد الأصنام معه، وبدأ يصلي لخالق كل شيء، لكي ينقذه من ضلال البشر، ولكي لا يكون نصيبه الذي تؤدي إليه النجاسة والدناءة." [19]

ولنستمع إلى إبراهيم وهو يحاور أباه في سفر الخمسينات، يقول: "أبي" فأجاب هذا الأخير: "ها أنذا يا بني." فقال (أبرام): "أية مساعدة وأية فائدة لنا من هذه الأصنام التي تعبدها وتسجد أمامها. ليس فيها ثمة أي نفس: إنها (صور) صماء، وضلال للروح. لا تعبدها، بل اعبد إله السماء الذي ينزل المطر والندى على الأرض، والذي ينتج كل شيء على الأرض، والذي خلق كل شيء بكلمته والذي منه تصدر كل حياة. لماذا تعبدون هذه الاشياء التي ليس لها نفس؟ إنها مصنوعة بأيدي (الإنسان). إنكم تحملونها بأنفسكم على أكتافكم، إنما لا يتأتى منها أية مساعدة لكم، وفقط خجل كبير للذين يصنعونها وضلال للروح بالنسبة للذين يعبدونها. فلا تعبدوها." [20]

نفس الخطاب الديني الوارد في هذه الأسفار هو الذي أعاد القرآن الكريم تلاوته علينا مؤكدا الحقيقة الواحدة التي جاءت بها جميع الأديان: توحيد الله وعدم الشرك به، وتأسيس الملة الإبراهيمية الحنيفة على يد أبينا إبراهيم؛ قال تعالى، وقد كرر مثل هذا الكلام بأساليب مختلفة، في غير ما موضع من القرآن الكريم: " وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) [21]

وقال عز وجل في نفس الموضوع: " وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) [22]

ينذر إبراهيم نفسه لمجاهدة الشرك والدعوة إلى التوحيد إلى أن يضيق أبوه وقومه به ذرعا بعد أن سفه أحلامهم وبخس أصنامهم؛ وتحدثنا أسفار متعددة عن الموقف الذي اتخذه قومه اتجاهه، نذكر منه ما ورد في كتاب الخمسينيات في مناسبة هجرة إبراهيم، حيث نسمعه يقول في صلاته: "إلهي أيها العلي إلهي، أنت وحدك إلهي. أنت من خلق الأشياء كلها، وكل ما هو موجود هو من صنع يديك. إنك أنت، (إنها) ألوهتك التي اخترتها. أنقذني من ضر الأرواح الشريرة التي تحكم أفكار القلب البشري فلا تضل هذه الأفكار بعيدا عنك يا إلهي. ثبتني، أنت نفسك، أنا وذريتي إلى الأبد، فلا نضل منذ الآن وإلى الأبد. إنني أتساءل إذا كنت سأعود إلى أور إلى عند الكلدانيين الذين يحاولون إعادتي، أم إذا كنت سأبقى هنا في هذا المكان. ألا اجعل لخادمك سراطا مستقيما سارا أمامك، فيمضي فيه ولا أمشي متبعا ضلال قلبي، آه يا إلهي." [23]

" وعندما انتهى من الكلام والصلاة، وجهت إليه كلمة من الرب عبر وساطتي: "اترك بلدك، وعائلتك وبيت أبيك إلى بلد سأدلك عليه، وسأجعل منك أمة كبيرة وكثيرة. سأباركك وأجعل منك اسما عظيما. ستكون مباركا على الأرض، وبك ستتبارك شعوب الارض كلها. يأبارك مباركيك وألعن الذين سيلعنونك. وسأكون إلهك، لك ولابنك ولابن ابنك ولذريتك كلها. فلا تخش شيئا بعد الآن، على مدى أجيال الأرض، فإنني إلهك." [24]

إن خروج إبراهيم من أرضه وعشيرته وبيت أبيه كان بسبب الاختلاف في المعتقد، وبسبب مجاهدة إبراهيم لأبيه وقومه وملكه في موضوع الشرك والتوحيد؛ وتذكر لنا أسفار أخرى أن المواجهة بلغت إلى حد إلقائه في النار وإنجاء الله له منها؛ فقد جاء في الآثار التوراتية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير