ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ الَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ ايلٍ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ ايلَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحا لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ.
ثُمَّ ارْتَحَلَ ابْرَامُ ارْتِحَالا مُتَوَالِيا نَحْوَ الْجَنُوبِ. [50]
وبذلك تصير الأماكن التي تنقل فيها إبراهيم وأقام فيها، شاملة لحاران وشكيم، وبلوطة مورة، حيث بنى مذبحا للرب، وحيث بيت إيل الذي نصب فيه خيمته، بين بيت إيل وعاي، وحيث قدم ذبائح وصلوات، و سعى سعيا متواليا. [51]
كل شيء في هذه التنقلات والإقامة يؤكد الهدف الذي خرج إبراهيم من أجله، وهو مباركة الناس وتعليمهم مناسكهم، كما يؤكد قدسية المكان المختار من الله للمباركة والعبادة وأداء الشعائر؛ وإن متابعتنا لهذه الأماكن في الكتاب المقدس، لتؤكد بما لا يقبل الشك أن هذا المكان بأسمائه المختلفة مكان مقدس تعبَّد فيه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وباقي أنبياء بني إسرائيل وقضاتهم وصالحوهم على مر العصور.
وأهم الأسماء التي نأخذها من هذا النص: 1) حاران؛ 2) شكيم؛ 3) بلوطة مورة؛ 4) بيت إيل؛ 5) عاي؛
وأهم الأفعال: 1) بناء المذبح للرب؛ 2) نصب الخيمة؛ 3) الدعاء باسم الرب؛ 4) الارتحال المتوالي. وهي كلها أسماء شعائر وطقوس عبادة، سنرى كل واحد منها في مكانه وحينه.
إبراهيم يواصل أعماله في بيت إيل:
يواصل إبراهيم وزوجه ولوط تنقلاته في المنطقة، كما حدثنا الإصحاح الثالث عشر من سفر التكوين، ويقوم بالأعمال عينها التي قام بها أول مرة في نفس المكان، جاء في النص:
فَصَعِدَ ابْرَامُ مِنْ مِصْرَ هُوَ وَامْرَاتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ وَلُوطٌ مَعَهُ الَى الْجَنُوبِ.
وَكَانَ ابْرَامُ غَنِيّا جِدّا فِي الْمَوَاشِي وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ.
وَسَارَ فِي رِحْلاتِهِ مِنَ الْجَنُوبِ الَى بَيْتِ ايلَ الَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ خَيْمَتُهُ فِيهِ فِي الْبَدَاءَةِ بَيْنَ بَيْتِ ايلَ وَعَايَ
الَى مَكَانِ الْمَذْبَحِ الَّذِي عَمِلَهُ هُنَاكَ اوَّلا. وَدَعَا هُنَاكَ ابْرَامُ بِاسْمِ الرَّبِّ.
وَلُوطٌ السَّائِرُ مَعَ ابْرَامَ كَانَ لَهُ ايْضا غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ.
وَلَمْ تَحْتَمِلْهُمَا الارْضُ انْ يَسْكُنَا مَعا اذْ كَانَتْ امْلاكُهُمَا كَثِيرَةً فَلَمْ يَقْدِرَا انْ يَسْكُنَا مَعا.
فَحَدَثَتْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي ابْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ حِينَئِذٍ سَاكِنِينَ فِي الارْضِ.
فَقَالَ ابْرَامُ لِلُوطٍ: «لا تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ لانَّنَا نَحْنُ اخَوَانِ.
الَيْسَتْ كُلُّ الارْضِ امَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. انْ ذَهَبْتَ شِمَالا فَانَا يَمِينا وَانْ يَمِينا فَانَا شِمَالا» [52].
والأماكن المذكورة هنا، هي نفسها الأماكن المذكورة في الإصحاح السابق: 1) بيت إيل (بيت الله)؛ 2) عاي (الرجمة)؛ 3) المذبح الذي عمله أولا (مكان الذبائح، ومكان الصلوات)؛ وأما الأفعال فمنها: 1) الصعود (الحج)؛ 2) الترحال (السعي)؛ 3) الإقامة؛ 4) بناء المذبح (الذبائح)؛ 5) الدعاء باسم الرب (الصلاة)؛ 6) الذهاب يمينا وشمالا في المكان المخصص لذلك (السعي).
وتبعا للترتيب الوارد في هذا النص، فإن إبراهيم سيصعد مرة أخرى إلى أرض الجنوب؛ ولفظ الصعود إلى المكان المقدس، يعني الحج إليه وإقامة الشعائر فيه، باعتبار المكان المقدس مكانا عاليا؛ وذلك لا يعني أن إبراهيم لم يكن يقيم في ذلك المكان، إذ الحجاج ليسوا هم الوافدين على هذا البيت، وإنما هم كل من نووا القيام بتلك الشعائر بما فيهم المقيمون وخدام ذلك البيت وأئمته؛ ثم انتقل إبراهيم من بيت الله إلى المكان الذي كانت فيه خيمته في البداية بين بيت إيل وعاي، وذهب إلى مكان المذبح الذي عمله أول مرة هناك، وصلى ودعا باسم الرب.
¥