وقد عبر عنها في النص الأول ب"بلوطة مورة" " وَاجْتَازَ ابْرَامُ فِي الارْضِ الَى مَكَانِ شَكِيمَ الَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ "؛ وبدأ في القيام بشعيرة السعي، ثم قام بباقي الشعائر، والتي منها بناء مذبح للرب، وهو ما يعني تقديم ذبيحة أوصلاة.
ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء:
ويواصل سفر التكوين تحديثنا عن هذا المكان المقدس والذي هو بيت الله وباب السماء، مبينا لنا، كما سبق وأوردناه، أن نبي الله يعقوب هو الذي اكتشف هذا المكان المقدس، عندما رأى فيه حلم الملائكة الصاعدة والنازلة إلى السماء من هذا البيت، وأنه هو الذي دعى اسمه "بيت إيل"؛ وإن كانت النصوص الأخرى تبين أن المقصود في هذا النص هو إبراهيم وليس يعقوب؛ ومهما يكن فقدسية المكان كانت قبل نبي الله يعقوب واستمرت بعده، وطقوس العبادة في هذا المكان بقيت فريضة أبدية على كل المؤمنين بالله في جميع الأمم، لكون هذا المكان هو مكان البركة العالمية لجميع أمم الأرض. وإن قراءة سريعة لأسماء المواقع المذكورة في هذا النص لتؤكد لنا كل ما سبق ذكره من كون الأسماء الواردة مرتبطة بهذا المكان إنما هي أسماء شعائر وليس أسماء بلدان أو مدن أو أمم أو شعوب أو غيرها، وإنما أسماء أماكن مقدسة اتخذت مناسك وشعائر يعظمها الناس ويحجون إليها في كل سنة من أجل عبادة الله وإقامة شعائره وشرائعه؛ وهذا ما جاء في النص المتحدث عن هذه الأمور:
Gen 28:10 فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ.
Gen 28:11 وَصَادَفَ مَكَانا وَبَاتَ هُنَاكَ لانَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ. وَاخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَاسِهِ فَاضْطَجَعَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
Gen 28:12 وَرَاى حُلْما وَاذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الارْضِ وَرَاسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ وَهُوَذَا مَلائِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا
Gen 28:13 وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «انَا الرَّبُّ الَهُ ابْرَاهِيمَ ابِيكَ وَالَهُ اسْحَاقَ. الارْضُ الَّتِي انْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا اعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ.
Gen 28:14 وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الارْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْبا وَشَرْقا وَشِمَالا وَجَنُوبا. وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ.
Gen 28:15 وَهَا انَا مَعَكَ وَاحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ وَارُدُّكَ الَى هَذِهِ الارْضِ لانِّي لا اتْرُكُكَ حَتَّى افْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ».
Gen 28:16 فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقّا انَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَانَا لَمْ اعْلَمْ!»
Gen 28:17 وَخَافَ وَقَالَ: «مَا ارْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا الَّا بَيْتُ اللهِ وَهَذَا بَابُ السَّمَاءِ!»
Gen 28:18 وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَاخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَاسِهِ وَاقَامَهُ عَمُودا وَصَبَّ زَيْتا عَلَى رَاسِهِ
Gen 28:19 وَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ ايلَ». وَلَكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ اوَّلا كَانَ لُوزَ [57].
لقد وردت مجموعة من الأسماء التي انتقل بينها نبي الله يعقوب، كلها تدل على كونه عليه السلام لم يكن في رحلة عادية، وإنما كان في مسيرة تعبدية، ينتقل من شعيرة إلى شعيرة، ويؤدي مناسك الله كما وجب عليه أداؤها؛ وسنسجل أسماء الأماكن الأساسية في هذه الرحلة: 1) بئر سبع، 2) حاران، 3) بيت إيل، كما نسجل الأفعال الأساسية التي قام بها يعقوب: 1) الأخذ من حجارة المكان، 2) المبيت في المكان المقدس، 3) القيام باكرا، 4) إقامة عمود الحجارة، 5) صب الزيت على الرأس؛ 6) دعاء اسم المكان بيت إيل. والملاحظ أن رحلة يعقوب هذه لم تستغرق إلا بضع ساعات من النهار بين بئرسبع ومكان المبيت حيث اضطجع يعقوب، وقليل من الوقت في الصباح الباكر بين مكان المبيت الذي أخذ منه يعقوب الحجارة، ومكان العمود الذي أقامه؛ وهو ما يعني أن هذه الأماكن ليس بينها مسافات طويلة كالتي بين المدن والقرى، كما يحاول إيهامنا به كاهنوا ومفسروا الكتاب المقدس، الذين كانوا ولازالوا يبحثون عن مشروعية امتلاك واحتلال أراضي الأمم الأخرى باسم الله.
¥