وتبعا لترتيب طقوس هذه الرحلة، نرى أنها تسجل طقوس المرحلة الثانية من الحج، (والتي غالبا ما تكون في يسمى عاي أو الجلجال أو جلعيد، والتي تعنى الرجمة) حيث يخرج يعقوب من بئر سبع (بئر الكعبة)، ويدخل في طقس رمي الجمار، كل هذا في البيت الحرام (حاران)، فيأخذ من حجارة الوادي ويضطجع هناك واضعا الحجارة تحت رأسه (في مزدلفة)، ويبكر صباحا لرمي هذه الحجارة على عمود الحجر المقام أصلا لهذا الغرض (رمي الجمار)، وبعد الانتهاء من هذا الطقس يكون على المحرم أن يتحلل من إحرامه بحلق رأسه أو تقصيره، وقد حدثنا النص عن صب الزيت على الرأس، والذي قد يفهم منه التحلل والتمتع من الإحرام. ومهما يكن فإن المكان الذي تتحدث عنه هذه النصوص مكان مقدس، هو بيت الله وباب السماء، وإن ما قام به يعقوب في هذا المكان إنما هي شعائر الدين التي أسسها الأب إبراهيم وعلمها لبنيه وذريته، وهي أساس البركة التي جعلها الله للناس في هذا المكان المختار.
الحجر والعمود في بيت الله:
لم تكن إقامة عمود الحجر وصب الزيت على الرأس هي كل الطقوس التي قام بها يعقوب، بل إنه نذر نذرا والتزم التزاما أن يعشر كل ما رزقه الله من خبز ولباس، في بيت الله هذا إن كان الله معه ووهبه رزقا حسنا، وفي ذلك يقول:
وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرا قَائِلا: «انْ كَانَ اللهُ مَعِي وَحَفِظَنِي فِي هَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي انَا سَائِرٌ فِيهِ وَاعْطَانِي خُبْزا لِاكُلَ وَثِيَابا لالْبِسَ
وَرَجَعْتُ بِسَلامٍ الَى بَيْتِ ابِي يَكُونُ الرَّبُّ لِي الَها
وَهَذَا الْحَجَرُ الَّذِي اقَمْتُهُ عَمُودا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَانِّي اعَشِّرُهُ لَكَ» [58].
وهو ما يؤكد أن من طقوس العبادة في بيت الله الحرام الوفاء بالنذر، وتقديم العشور عن كل ما رزق الله الناس من أنعام ورزق ولباس.
في جبل جلعاد:
إن رحلة يعقوب كانت وصفا لطقوس العبادة في الأماكن المقدسة، والتي منها "جبل جلعاد"؛ ولم تكن رحلة يعقوب في هذا المكان الصحراوي إلا على الجمال، التي كانوا يستخفونها في إقامتهم وترحالهم، وكانوا يأكلون لحمها ويشربون لبنها من قبل أن تنزل التوراة؛ وهو ما يعني أن جبل جلعاد إنما كان ضمن أرض البيت الحرام، وأنها كانت واحدة من الشعائر المقدسة التي كان يحييها الناس، فريضة أبدية. ولنستمع إلى سفر التكوين يحدثنا عنها وعن زيارة يعقوب لها في رحلة الحج العجيبة التي حكاها لنا الكتاب المقدس، وأراد أهل الكتاب كتمانها على الناس.
جاء في الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر التكوين:
Gen 31:17 فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ اوْلادَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى الْجِمَالِ
Gen 31:18 وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ وَجَمِيعَ مُقْتَنَاهُ الَّذِي كَانَ قَدِ اقْتَنَى: مَوَاشِيَ اقْتِنَائِهِ الَّتِي اقْتَنَى فِي فَدَّانِ ارَامَ لِيَجِيءَ الَى اسْحَاقَ ابِيهِ الَى ارْضِ كَنْعَانَ.
Gen 31:19 وَامَّا لابَانُ فَكَانَ قَدْ مَضَى لِيَجُزَّ غَنَمَهُ فَسَرِقَتْ رَاحِيلُ اصْنَامَ ابِيهَا.
Gen 31:20 وَخَدَعَ يَعْقُوبُ قَلْبَ لابَانَ الارَامِيِّ اذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِانَّهُ هَارِبٌ.
Gen 31:21 فَهَرَبَ هُوَ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ وَقَامَ وَعَبَرَ النَّهْرَ وَجَعَلَ وَجْهَهُ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ.
Gen 31:22 فَاخْبِرَ لابَانُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِانَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ
Gen 31:23 فَاخَذَ اخْوَتَهُ مَعَهُ وَسَعَى وَرَاءَهُ مَسِيرَةَ سَبْعَةِ ايَّامٍ فَادْرَكَهُ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ.
Gen 31:24 وَاتَى اللهُ الَى لابَانَ الارَامِيِّ فِي حُلْمِ اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «احْتَرِزْ مِنْ انْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ اوْ شَرٍّ».
Gen 31:25 فَلَحِقَ لابَانُ يَعْقُوبَ وَيَعْقُوبُ قَدْ ضَرَبَ خَيْمَتَهُ فِي الْجَبَلِ. فَضَرَبَ لابَانُ مَعَ اخْوَتِهِ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. [59]
¥