4) عمل الرجمة، 5) جلعيد ورجمة الشهادة، 6) عدم إذلال البنات والنساء؛ ومن خلال هذه العناصر يمكن أن نتحدث عن شعيرة رمي الجمار بشكل أكثر وضوحا من نصوص أخرى؛ وقبل الحديث عن تفاصيل هذا الطقس لابد من التأكيد أنه جزء من العهد، أو الحلف أو القسم، وهو واحدة من الفرائض التي عاهد الله بها الناس، وأوجبها عليهم في كل عام، وهو معنى العهد الشاهد، فهو ليس عهدا بين رجلين، وإنما هو عهد بين الله والناس يقوم به المؤمنون طاعة وإيمانا واحتسابا.
تضم هذه الشعيرة 1) عمود الحجر القائم، أو على الأصح أعمدة الحجر الثلاثة القائمة، والتي تسمى العقبات الكبرى والوسطى والصغرى، وسنجد الحديث في أماكن أخرى من أسفار الكتاب المقدس. و2) الحجارة التي ينبغي أن تلتقط، من مكان المبيت كما فعل يعقوب في غير ما مرة، وإن كانت النصوص السابقة تراوحت بيت الحديث عن مجموعة من حجارة المكان وبين حجر واحد؛ 3) عمل الرجمة، أو رمي الجمرات في الأماكن المخصصة لها؛ 4) عدم إذلال النساء، أو الامتناع عن معاشرة النساء أثناء أداء هذه الفريضة، وقد وجدنا الإشارة إلى هذا الموضوع في العديد من المواضع في الكتاب المقدس، وسنخصص مبحثا خاصا للحديث عن هذا الموضوع [61]. وطبعا فإن هذه الرجمة ستصبح عيدا يعاد في كل سنة، وهو مفهوم "جل" و "عيد"، بمعنى الرجمة الشاهدة والتي تقام كل عام. "وهكذا تصبح "جلعيد" و "جلعاد" و "جلجال" و "عاي" تدل على مكان واحد كان قائما منذ عهد إبراهيم ويعقوب، وإلى يومنا هذا، هو مكان الرجمة التي تشهد على أن بيت الله هو المكان الذي اختاره الله لأداء الفريضة السنوية الدهرية، والذي لازال قائما بجميع تفاصيله في بيت الله الحرام في مكة المكرمة إلى يوم الناس هذا.
بعد القيام بشعيرة رمي الجمار، يواصل يعقوب حجه، فيذبح الذبيحة في الجبل، ويأكل منها ويطعم إخوته، ويبيتون في الجبل، قبل يوم المباركة والوداع؛ قال:
وَذَبَحَ يَعْقُوبُ ذَبِيحَةً فِي الْجَبَلِ وَدَعَا اخْوَتَهُ لِيَاكُلُوا طَعَاما. فَاكَلُوا طَعَاما وَبَاتُوا فِي الْجَبَلِ.
ثُمَّ بَكَّرَ لابَانُ صَبَاحا وَقَبَّلَ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَبَارَكَهُمْ وَمَضَى. وَرَجَعَ لابَانُ الَى مَكَانِهِ. [62]
من خلال رحلة يعقوب يتبين لنا جليا أن هدف يعقوب من الصعود إلى بيت الله إنما كان الحصول على المباركة، وهو ما رأيناه في نهاية المراحل بعد الذبح والمبيت في الجبل والقيام باكرا للوقوف للمباركة، ثم توديع المكان المقدس وأهله، وليس توديع أبنائه وبناته وتقبيلهم؛ وهو ما يسمى بطواف الوداع وإنهاء المناسك؛ ثم رجوع كل واحد إلى مكانه الذي جاء منه، بعد ان أتم منسكه.
حج يعقوب:
رغم حديثنا الوافي عن وصف حج يعقوب ومن معه إلى بيت الله الحرام في إصحاحات مختلفة من سفر التكوين، فإن الإصحاح الخامس والثلاثين سيحدثنا بشكل مباشر عن طقوس هذا الحج ومناسكه بوضوح أكبر، وسيضيف إلينا مجموعة من العناصر الأخرى التي لم نتعرض لها في ما سبق، يقول:
ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «قُمِ اصْعَدْ الَى بَيْتِ ايلَ وَاقِمْ هُنَاكَ وَاصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحا لِلَّهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ حِينَ هَرَبْتَ مِنْ وَجْهِ عِيسُو اخِيكَ».
فَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: «اعْزِلُوا الْالِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَابْدِلُوا ثِيَابَكُمْ.
وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ الَى بَيْتِ ايلَ فَاصْنَعَ هُنَاكَ مَذْبَحا لِلَّهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي وَكَانَ مَعِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتُ فِيهِ».
فَاعْطُوا يَعْقُوبَ كُلَّ الْالِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي ايْدِيهِمْ وَالاقْرَاطَ الَّتِي فِي اذَانِهِمْ فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي عِنْدَ شَكِيمَ.
ثُمَّ رَحَلُوا. وَكَانَ خَوْفُ اللهِ عَلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُمْ فَلَمْ يَسْعُوا وَرَاءَ بَنِي يَعْقُوبَ.
فَاتَى يَعْقُوبُ الَى لُوزَ الَّتِي فِي ارْضِ كَنْعَانَ (وَهِيَ بَيْتُ ايلَ) هُوَ وَجَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَعَهُ.
وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحا وَدَعَا الْمَكَانَ «ايلَ بَيْتِ ايلَ» لانَّهُ هُنَاكَ ظَهَرَ لَهُ اللهُ حِينَ هَرَبَ مِنْ وَجْهِ اخِيهِ.
¥