تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القبلة التي كان عليها أتباع محمد عندما هاجروا إلى المدينة، لم تكن إلا قبلة أهل الكتاب، وكانت امتحانا للمؤمنين الأوائل بمحمد، إلى أي حد يتعلق إيمانهم بالله ورسوله؟ وإلى أي حد هم مستعدون لترك أعرافهم وتقاليدهم والتي منها التوجه إلى البيت الحرام؟ أم أن ارتباطهم بتقاليدهم سيكون أقوى فينقلبون على أعقابهم عندما يؤمرون بتغيير قبلتهم؟ لقد نجحوا في الامتحان واتبعوا الرسول الذي صلى معهم إلى قبلة أهل الكتاب؛ لكنهم جميعا كانت تتقلب وجوههم في السماء بحثا عن القبلة الحق، وانتظارا للأمر الإلهي فيها؛ إلا أن جاء الأمر بالتحول إلى البيت الحرام لأنه القبلة الحق التي اختارها الله مع إبراهيم من قبل وارتضاها رسوله، قبل الهجرة وبعد الامر الإلهي بالعودة إليها، وأما قبلة أهل الكتاب فلم تكن إلا هوى خالفوا به أوامر الله من قبل ومن بعد، وهم غير مستعدين بأي وجه من الوجوه إلى اتباع القبلة الإبراهيمية والربانية والمحمدية وإن أتيتهم بكل آية. ولذلك فهم السفهاء الذين رغبوا عن ملة إبراهيم وقبلته ومناسكه، وسيقولون للمؤمنين ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟.

قال تعالى: " الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) [69]

يستمر القرآن في عرض موضوع القبلة، مبينا أن أهل الكتاب يعرفون هذا الموضوع معرفة جيدة كما يعرفون أبناءهم لكن فريقا منهم يكتم الحق وهو يعلم، والباقي فهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني ويرددون ما يقوله أئمتهم دون علم ولا تعقل.

المطلوب من المؤمنين إذن أن يعملوا على شاكلتهم وأن يتوجهوا بصلاتهم شطر المسجدالحرام، وحيثما خرجوا يتوجهون إلى المسجد الحرام؛ ولعل في تكرار المعنى إشارة إلى الواقع التاريخي الذي كان على العهد النبوي، فقبل الهجرة لما كانوا المؤمنون عند البيت الحرام كانوا يتوجهون إلى هذا البيت بالصلاة شأن باقي المصلين قبل البعثة وبعدها، ولكنهم عندما خرجوا إلى المدينة توجهوا إلى قبلة أهل الكتاب، وهو ما اتخذه أهل الكتاب حجة ضدهم، فكان التأكيد القرآني على هذه المسألة وبيانا لسببها: "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون."

هكذا إذن يصبح بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم، ويصبح الحج إليه وتعظيم شعائره وحرماته والاتجاه إليه بالصلاة من جملة الملة الإبراهيمية، لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه في الدنيا والآخرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير