هناك نصوص قرآنية عديدة ناقشت أهل الكتاب في دعاواهم العنصرية والمذهبية الباطلة التي نسبت إلى إبراهيم، وردتهم إلى ما انزل الله في الكتاب وطلبت منهم أن يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، ودعتهم إلى الملة الإبراهيمية الواحدة، التي لا تنفك فيها العقيدة عن الشريعة والتوحيد عن المناسك، وإلى الكلمة السواء التي تجمعهم مع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهناك إصرار كتابي على إبعاد غير اليهود من الإرث، بدءا من بكر إبراهيم الذي أخرج هو وأمه لئلا يرث مع أخيه إسحاق، ومرورا بنزع البركة من عيسو حتى لا ينافس أخاه يعقوب، وانتهاء بطرد جميع الشعوب وإبادتها حتى يتمكن أسباط الشعب المختار من تقسيم أرض الميعاد؛ ويقابل هذا الإصرار الكتابي هناك إصرار قرآني على وحدة الملة والدين والمناسك والبركة والقيم والنفس الإنسانية وعلى إعادة بناء المفاهيم الدينية وفقا لهذه الوحدة.
4 - مع الحديث النبوي في صحيح البخاري:
أما الحديث النبوي، والذي نطلع عليه من خلال الحديث عن إبراهيم في أحاديث البخاري، فيمكن تناوله من خلال ثلاث قضايا أساسية:
القضية الأولى
46،6 في المائة مما أورده البخاري في شأن إبراهيم يتعلق بأمور غيبية، يمثل موضوع الشفاعة منها 19،5 في المائة، ويمثل موضوع العروج إلى السماء 17 في المائة منها؛ إلا أن الكلام عن إبراهيم في هذين الموضوعين لم يمثل إلا جزءا ضئيلا منهما؛ حيث ذكر إبراهيم في موضوع الشفاعة ذكرا خافتا جدا، إذ لم يستطع أن يشفع لأحد من الناس الذين توجهوا إليه من أجل ذلك، بسبب كذباته الثلاث التي كذبها.
وكذلك الأنبياء الآخرون إلا محمدا صلى الله عليه وسلم لما أذن له ربه.
وأما في موضوع المعراج فكان حضوره باهتا كذلك، فمحمد صلى الله عليه وسلم يلقاه في إحدى السماوات فيسلم عليه إبراهيم ويرحب به، ولا يقوم بشيء آخر أكثر من ذلك؛ بينما يأتي الحديث عن البيت المعمور في نفس السياق، لكنه بدل أن يربط بإبراهيم وبحج الناس إلى هذا البيت الذي بناه، فإنه يربط بالملائكة الذين يأتون إليه من غير انقطاع حتى أن من جاء إليه منه مرة لا يعود إليه أبدا. ويلاحظ أن لموسى في هذا الحديث مكانة في الدين أكبر من مكانة إبراهيم، فعندما فرض الله على المؤمنين خمسين صلاة تدخل موسى ليخفف عن الأمة عددا من المرات، في كل مرة يحط عنها خمس صلوات، تماما مثلما هي مجادلة إبراهيم للملائكة في شأن قوم لوط لترك عقابهم، فكان ينقص من عدد خمسين شخصا في كل مرة خمسا. حتى استقر الأمر على خمس صلوات بأجر خمسين صلاة.
وأما الموضوع الثالث الذي تناولته هذه المجموعة من الأحاديث المتحدثة عن الغيب فهو موضوع أول من يكسى يوم القيامة، والذي هو إبراهيم، لأن الناس يبعثون عراة وحفاة وغرلا؛ وهو حديث يحضر فيه الأثر اليهودي وخصوصا في الحديث عن الغرلة والتي تقتضي الختان. وتمثل نسبة هذا الموضوع 4،4 في المائة من مجموع أحاديث إبراهيم في صحيح البخاري؛ غير أن هذا الحديث ينطلق من إبراهيم ليعالج موضوعا آخر في التاريخ الإسلامي، هو موضوع الردة، وخصوصا ردة الصحابة، حيث يذكر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة سيراهم في العذاب فيرغب في إنقاذهم فينادي أصحابي أصحابي فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
أما باقي الموضوعات التي جاءت في هذه المجموعة فلا تمثل في مجموعها إلا أقل من ستة في المائة، وتتحدث عن إبراهيم الذي يشبه محمدا، وعن صورة إبراهيم وإسماعيل التي وجدها محمد صلى الله عليه وسلم في الكعبة وفي أيديهما الأزلام، فاعتبر عليه السلام ذلك كذبا عليهما.
ثم موضوع أبو إبراهيم الذي نال من الله أشد العذاب.
هذه هي صورة إبراهيم الغيبية كما وردت في الحديث واحتلت نسبتها قريبا من نصف مفردات الحديث عند البخاري.
وأما المجموعة الثانية، والتي يمكن أن نطلق عليها مسمى أخبار إسرائيلية، فتمثل ما يزيد على خمس مفردات الحديث بنسبة 21،16 في المائة، أكثر من نصفها أي 11،16 في المائة تتحدث عن خروج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى الصحراء وتركهما هناك في يد الله.
¥