تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مجال الإعجاز العلمي، كل ذلك أدى على نمو الدراسات في هذا المجال.

لكن العامل الأهم الذي ينبغي الوقوف عنده هو طبيعة علاقة المسلمين بالقرآن، تلك العلاقة التي تقلصت من مساحة التدبر والترتيل وتذوق المعاني القرآنية، إلى مساحة السماع والشكل، وأصبح جمال المعنى القرآني لا يتجلى في نظامه وإحكامه، بقدر ما يتجلى في غرائب فهمه، فعقول العامة كانت ولا تزال تبحث عن الغرائب والعجائب في النص وغيره، لذلك كثرت الموضوعات والقصص الغربية في مجال المعجزات والكرامات وخوارق العادات، وظل هذا الهاجس دافعاً للبحث في النص القرآني عن هذه الجوانب، مع غفلة عن المشكلات المنهجية في هذا المسلك، بل إن من المدافعين عن الإعجاز العلمي من يرى أن هذا الوجه من الإعجاز هو الحصن للدفاع عن القرآن باعتبار أن العلم لغة العصر، وأن إعجاز النظم لا يفهمه أهل هذا العصر، وفي ذلك تبرير شنيع للجهل بخصائص القرآن وطبيعة معالجته للموضوعات التي جاءت فيه، وربما يستدلون على ذلك بدخول بعض العلماء والغربيين الإسلام بسبب الحقائق العلمية التي وردت في القرآن، ويغفلون عن أن السبب الجوهري وراء ذلك هو المستوى الأول من العلاقة بين القرآن والعلم وهو عدم التناقض والتكامل في مآلات البحث في كل، وإلا فإن دعوى صدق القرآن (إعجازه) من خلال التفسير العلمي وهو اجتهاد شخصي وتأويلي قد تؤول إلى النقيض، إما بنقض العلم أو بنقض الفهم، بل إن كان هذا دليلاً علمياً، فقد يكون في نفس الوقت دليلاً لغير المسلمين على صحة كتبهم، وهي ظاهرة منتشرة في الأديان الأخرى، وهذا يعني تضارب الكتب الدينية وتنازعها التوافق مع العلم، بينما لم يخاطب القرآن المكلفين أن يبحثوا عن العلم في القرآن إنما طلب منهم البحث عنه الطبيعة.

وإذا تركنا كل الاعتبارات الناقضة لمسلك التفسير العلمي، فالاعتبار الأهم الذي ينبغي أن يوقف هذه الظاهرة ما ينشر من المهازل العلمية والتلفيقات التي يؤسس عليها ما يسمى بالإعجاز العلمي، حتى أصبح بعضها أقرب إلى الدجل والتحريف العلمي فضلاً عن التأويل والإسقاط المتكلف، وما أبأس المنظِّر في الإعجاز العلمي عندما يعرض مكتشفاً غربياً لعالم غير مسلم ثم يأتي إلى نصوص قرآنية أو حديثية ليؤولها بما يتوافق مع هذا الاكتشاف، ويصبح إن صح التأويل مديناً لصاحب الاكتشاف الذي لا يؤمن بالقرآن أصلاً، إنه مشهد إبراز العجز بدل الإعجاز، وفيه إدانة للمسلمين أن لديكم سر هذا العلم وتقرأونه طيلة أربعة عشر قرناً وتتعبدون به، ثم لم تفهموه حتى اكتشفه غيركم، أليس في هذا المشهد إعلان بلادة فهم المسلمين لكتابهم، إن ادعينا أن النص القرآني يحتوي على هذه المعلومة العلمية أو تلك!!.

لكن الحقيقة ليست كذلك فالقرآن أرفع من أن يكون كتاب علم تجريبي، ومن يبحث عن الإعجاز العلمي فيه فإنما يحاول التعويض عن العجز العلمي عن الاكتشاف والإبداع، وهو هروب من واقع حضاري بائس، إلى عالم حضاري متخيل في النص، لكن حقيقة المشهد أن تظاهرات الإعجاز العلمي إنما هي فضح لعورة العجز الحضاري في الوقت الذي كان الدافع النفسي وراءاها هو الستر، وهذا الانتشار الذي نراه ستعقبه كبوة خجل من شدة الإسفاف فيه، وما كان لهذه الظاهرة أن تنتشر لو أن الدرس القرآني أخذ حظه من العمق، أو كان لدعاة المسلمين المعاصرين منهج في الإقناع والحوار يخاطب العقل والضمير ويتجاوز العواطف والغرائب التي تستلب السامع والعامة.

وأخيراً ... يمكن أن نلخص فنقول: إن حث القرآن على العلم بحد ذاته، وعدم تعارضه مع الحقائق العلمية، كاف للدعوة ولا حاجة للتفاصيل، والأولى بالمسلمين أن يبدعوا في العلوم ذاتها ويتفوقوا بها على غير المسلمين ويصبحوا مصدراً لهم، عند ذلك سيحظون بالاحترام، وسيطبقون الأمر القرآني بالنظر في الكون واكتشاف قوانينه وسننه، وفي انشغالهم عن ذلك بالبحث عما يسمى الإعجاز العلمي يهدرون وقتاً فيما لا طائل منه، ذلك أن هداية القرآن والإقناع به يأتي من تماسكه اللغوي والبلاغي والتشريعي، ومن توافقه مع العقل والفطرة، والتكلف في التفسير العلمي سيكون مصدراً للشك لا مصدراً للإقناع.

إن ظاهرة التفسير والإعجاز العلمي ظاهرة ظرفية تعكس الوهن الحضاري والثقافة السائدة وستبقى في حالة مد وجزر، وهي الآن في حالة طفرة ورواج سيعقبها زوال وكمون لانكشاف هشاشتها وعدم تأثيرها في دفع الحراك الحضاري للمسلمين، بل إنها تؤدي دوراً سلبياً خادعاً وهو تضخيم وهم الأسبقية واعتبار الإعجاز العلمي نصراً إسلامياً في زمن الهزائم الحضارية.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[24 Nov 2010, 08:06 ص]ـ

مقالةٌ قيمةٌ جزى الله الكاتب والناقل خيراً.

بعضُ الإخوة يندفعون في الدفاع عن الإعجاز العلمي ويُعرضون عن هذه النقاط الجوهرية التي لا ينبغي تجاوزها، ويسارعون إلى الردود العاطفية المنفعلة كأنَّ من يدعو للتمهل والتريث من أعداء القرآن لا من المدافعين عنه.

أسأل الله أن يصلح أحوالنا ويهدينا للحق فيما نأتي ونذر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير