تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[24 Nov 2010, 01:45 م]ـ

من العجز الحضاري في الواقع إلى الإعجاز العلمي في النص

عبد الرحمن حللي

المصدر: الملتقى الفكري للإبداع ( http://www.almultaka.net/ShowMaqal.php?module=db5e5182b5971e60d285c2b9f2a70 9db&cat=1&id=783&m=9f03d28cc71ca469a25b9a6d53b05338)

-1-

ظاهرة "التفسير العلمي" أو "الإعجاز العلمي في القرآن" ظاهرة حديثة نسبياً، وإن كانت ترجع جذورها إلى طبيعة النظر إلى ما يحتويه القرآن الكريم من علوم في التراث الإسلامي، فالإمام الغزالي (505هـ) يعتبر أن جميع العلوم داخلة في أفعال الله وصفاته وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله، فكان مقصد الغزالي من مقولته التعرف على الله من خلال القرآن وما اشتمل عليه من أصول العلوم ومفاتيحها، وقد حاول الإمام الرازي (606هـ) تطبيق فكرة الغزالي ووظف العلوم في معرفة أسرار القرآن والوجود، ولم يسم ذلك تفسيراً أو إعجاز علمياً إنما كان جارياً على نسق علماء كل عصر في الاستفادة من معارف زمنهم وتوظيفها في اختصاصاتهم، وجاء الإمام الشاطبي (790هـ) ورفض إدخال العلوم في تفسير القرآن وتحميل القرآن ما لم يحتمل من المعاني والعلوم التي لم تكن موجودة في عصر النزول، ولم تكن المسألة مثار جدل في التراث الإسلامي لأنها لم تشكل ظاهرة على مستوى التطبيق،

ما أدركه الغزالي لا يمنع من إدراك ما هو فوقه من الأمور بشكل أدق وأكثر تفصيلا.

ومحاولة الرازي إذا لم تكن تفسيرا أو كشفا لوجه من أوجه الإعجاز في القرآن، فماذا يمكن أن نسميها؟

وإذا سلمنا للشاطبي مبدأ رفض تفسير القرآن بالعلوم فهذا لا يمنع من أن نسلم أن في القرآن إشارات إلى معارف إنسانية تكشفت بعد عصر التنزيل لم يكن من سبيل إلى معرفتها في ذلك الوقت، وهذه هي النقطة التي يسعى إليها الباحثون في أوجه إعجاز القرآن، والعجيب أن صاحب المقالة أشار إلى ذلك في مقالته.

أما في العصر الحديث فقد ظهر تعبير الإعجاز أو التفسير العلمي بعد اكتشاف العالم الإسلامي الهوة الساحقة بينه وبين الغرب في مجال العلوم خصوصاً فتمت العودة إلى القرآن كوسيلة لاستعادة الثقة بالذات،

وهذه المقولة غير دقيقة على الإطلاق، حيث إنه من المعلوم ومن المتقرر أن القرآن كتاب معجز عند المسلمين، والقول بأن في القرآن جانبا علميا معجزا لا يغير من الواقع شيئا ولا يسد فراغا في الهوة التي بين العالم الإسلامي والعالم الغربي في مجال العلوم المادية، وإذا عرفنا أن الحضارة المادية الغربية قامت على نتاج الحضارة الإسلامية في كثير من جوانبها أصبحت هذه المقولة نوعا من المغالطة وربما بث الوهن في نفوس الذين يحاولون بث روح النهوض في الأمة والأخذ بزمام وناصية العلوم من جديد.

وكان طنطاوي جوهري (ت:1940م) صاحب أول وأشمل تفسير علمي، ويعتبر تفسيره موسوعة علمية فيه من المبالغات ما لا يقبله المنطق، وقصد بعمله حث المسلمين على الاهتمام بالعلوم ومسابقة الغرب بذلك، لكن تفسيره قوبل بالرفض لمبالغاته، ولأثر ذلك السلبي على القرآن من حيث الاستناد إلى نظريات علمية لم تصل إلى القطع فيتم بتغيرها نقض التفسير والطعن بالقرآن.

محاولة الجوهري محاولة رائدة وكان يمكن الاستفادة منها لو أنه اتبع في نقدها نفس الأسلوب المتبع في نقد تفسيرات السلف، فيقبل ما فيه من حق ويبنى عليه، ويبين ما فيه من باطل، ولكن الذي حدث معه هو المبدأ الذي يصوره المثل العامي: إما سراجين وإلا خرمس". فنحن نريد الذهب الخالص مباشرة دون اعتبار للمراحل التي تسبق مرحلة الذهب الخالص.

-2 -

وفي تحليل ظاهرة الإعجاز العلمي في القرآن ينبغي التفريق بين مستويين أساسيين، الأول: اشتمال القرآن على حقائق علمية وإشارات لقضايا ذات بعد علمي، مع مسلمة لا جدل فيها وهي استحالة التناقض بين القرآن والعلم، وفي هذا المستوى لا يوجد إشكال في بيان طبيعة الوحي وتأكيد مصدريته، أما المستوى الثاني من النظر في المسألة فهي الانتقال من هذه المسلمة (عدم التعارض بين القرآن والعلم) إلى التنظير العلمي لترجمة هذه الحقيقة من خلال أمثلة تفصيلية وأرقام وعناوين واصطلاحات علمية مباشرة وتنزيل الآيات القرآنية على المسائل العلمية أو تأويل النص القرآني في ضوء المسائل العلمية، بل والانتقال إلى البحث في القرآن عن العلم التجريبي واعتباره مرجعاً له. وهذا المستوى الثاني هو مثار الإشكال والنقاش الذي يرجع في عمقه إلى إشكال منهجي يرتبط بطبيعة النظر إلى النص نفسه وموضوعه.

إذا سلمنا بالمستوى الأول وهو اشتمال القرآن على حقائق علمية وإشارات لقضايا ذات بعد علمي، فلا يجوز رفض المستوى الثاني لأنه الطريق إلى بيان وكشف تلك الحقائق والإشارات.

ثم أريد أن أنبه إلى أن المسلمة الأولى ليست هي ذاتها ما ذكره الكاتب بين معكوفتين: (عدم التعارض بين القرآن والعلم)، فاشتمال القرآن على حقائق علمية وإشارات لقضايا ذات بعد علمي شيء وعدم التعارض بين القرآن والعلم شيء آخر، فقد يصح أن القرآن لا يتعارض مع العلم ولكن قد لا يشتمل على حقائق علمية .....

وللكلام بقية إن شاء الله تعالى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير