تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[25 Nov 2010, 01:08 ص]ـ

من العجز الحضاري في الواقع إلى الإعجاز العلمي في النص

عبد الرحمن حللي

المصدر: الملتقى الفكري للإبداع ( http://www.almultaka.net/ShowMaqal.php?module=db5e5182b5971e60d285c2b9f2a70 9db&cat=1&id=783&m=9f03d28cc71ca469a25b9a6d53b05338)

فالمستوى الأول هو أثر طبيعي وتلقائي لإيمان المؤمن بأن القرآن وحي إلهي وكونه كتاباً محكماً مقروءاً فيه آيات تتلى، يقابل كتاب الله المعمور والآيات الكونية، فما في القرآن من هذه الحقائق الظاهرة إنما هي ترجمة لهذا المعنى، وثمة إشارات أخرى إلى قضايا علمية ما هي إلا دلائل للحث على النظر والبحث والاكتشاف التجريبي في ميدانها الطبيعي وليس في النص نفسه، لذلك اقترن الحديث عن الكون والظواهر العلمية بالأمر بالبحث والنظر والتأمل "قلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت:20]، "إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [الجاثية:3 - 5]،

نلاحظ هنا أن صاحب المقال قد خلط بين الظواهر الكونية والحقائق العلمية وهما أمران مختلفان، فالظواهر الكونية أمور مدركة لكل أحد يستوي فيها الناس على جميع مستوياتهم مسلمهم وكافرهم، بينما الحقائق العلمية محل البحث في الإعجاز العلمي هي تلك المكتشفات القائمة على البحث والاستدلال الخاضعة للبراهين العلمية، وهذه ليس إدراكها في مقدور كل أحد، وإنما يدركها أهل الاختصاص في كل مجال.

وتحصل الدلالة هنا بالبحث المستقل في الميدانين: الأول: البحث في دلالات النص القرآني عما جاء من القرآن من أجله وهو الهداية، والميدان الثاني هو البحث في الكون عن الدلائل العلمية والقوانين الإلهية وفق قواعد البحث التجريبي بعيداً عن النص القرآني، وسيقود هذا البحث العلمي الباحث إلى نتائج تكشف عن النظام الإلهي في الكون، وهذه السنن ستقود المتأمل إلى التعرف على الخالق والإيمان والتوحيد، وبذلك تلتقي نتائج البحث القرآني مع نتائج البحث العلمي في الدلالة على الخالق وتوحيده، وأي تداخل بين مساري البحث سيعطل أحدهما الآخر لاختلاف الطبيعة والمنطلق والهدف والقوانين، بل وإن التداخل بينهما يخالف طبيعة الأمر المتعلق بكل منهما، فدرس النص القرآني لغوي موضوعه الهداية إلى التي هي أقوم، ودرس العلم ميدانه المادة والتجريب والطبيعة واكتشاف القوانين، فما أشار إليه القرآن من دعوة للنظر العلمي في الأشياء لا يمكن أن يكتشف من خلال النص إنما من خلال معالجة الأشياء وتحليلها وتجريبها واكتشاف قوانينها وهي حقل خارج النص.

إذا كان البحث المستقل في الميدانين يؤدي إلى نفس النتيجة فهذا ما يسعى إلي إثباته الباحثون في مجال الإعجاز العلمي، وهذا هو ما يقولونه لمكتشفي السنن المودعة في الكون، يقولون ما توصلتم إليه من خلال البحث والتجربة وأصبح حقيقة علمية، هو عندنا في نص معجز نزل على رجل أمي سابق لما وصلتم إليه بقرون.

أما المستوى الثاني من النظر في المسألة وهو البحث في القرآن عن العلم أو التطابق بينه وبين العلم، فهو مشكل وعقيم من نواح عدة:

-الإشكال الأول: أن دعوى الإعجاز العلمي للقرآن هي في جوهرها محاولة تصديق أحدهما بالآخر، وهذا مطب خطير، لأن صدق القرآن لا يتأسس على التوافق مع التجارب العلمية وقوانينها، إنما إلى المبدأ العام فيه وهو عدم التعارض بين القرآن والعلم، فضلاً عن كون علاقة المؤمن بالكتاب علاقة إيمانية قبل أن تكون علاقة برهانية في التفصيل، وطلب التوافق التفصيلي بين العلم والقرآن قد يؤول إلى نقيض الغرض، أما محاولة التصديق المعاكسة وهي إثبات صدق العلم بالقرآن فلا تستقيم أيضاً، لأن العلم لا يثبت بأدلة نصية إنما معياره التجريب والملاحظة والنظام، ولا يستقيم علم عالم تجريبي إذا استدل على علمه بغير أدوات العلم، وليس النص واحداً منها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير