ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[05 Dec 2010, 11:18 ص]ـ
وباختصار نذكر بعض النقاط التي اعتمد عليها الشيخ النبهان رحمه الله (بنفيه طلب الزنا من السيدة زليخة):
1 - زواجه بها إن صح فهو دليل قاطع على عدم طلبها الزنا منه (كما أورد ذلك كثير من المفسرين وهو زواج سيدنا يوسف من زليخة)
2 - أن زليخة سيدة مطاعة في قومها، حرة، صاحبة شخصية قوية، وصاحب الشخصية الحر لا ينزل إلى السقاطات والسفالات عقله يسوقه لا شهوته كما في الحديث: عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه، فنظر إلى يديها فقال لها: اذهبي فغيري يديك، قالت: فذهبت فغيرتها بحناء، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، قالت: أوتزني الحرة؟ قال: ولا تقتلي أولادك خشية إملاق، قالت: وهل تركت لنا أولادا فنقتلهم؟ قالت: فبايعته ثم قالت له وعليها سواران من ذهب: ما تقول في هذين السوارين؟ قال: جمرتين من جمر جهنم. (وكما هو معلوم أن السيدة هند رضي الله عنها كانت صاحبة شخصية قوية فاستغربت كون الحرة تقبل الزنى)
3 - كلمة (راود) في اللغة تحتمل عدة معاني لا معنى واحد كما يعتقد البعض (من إرادة الفحشاء) ففي الحديث (قد والله راودْتُ بني إِسرائيل على أَدنى .... ) و (حيث يُراوِدُ عمَّه أَبا طالب على الإِسلام ...... ) أو قول بعضنا (راودني شعور غريب ..... )
4 - كلمة (هيت لك) أيضا تحتمل عدة معان وليس معنى واحد وهو (الرغبة بالجماع)
(ففي الصحاح):
(هلم هَلُمَّ يا رجل، بفتح الميم، بمعنى تعالَ. يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث، في لغة أهل الحجاز. قال الله تعالى: "والقائِلينَ لإخْوانِهِمْ هَلُمَّ إلينا". وأهل نجد يصرِّفونها فيقولون للاثنين هَلُمَّا، وللجمع هَلُمُّوا، وللمرأة هَلمِّي، وللنساء هَلْمُمْنَ،
وفي تهذيب اللغة:
قال الفراء بإسناد له عن ابن مسعود أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَيْتَ لك. قال الفراء: ويقال إنها لغةٌ لأهل حَوْران سقطت إلى مكة فتكلموا بها. قال: وأهل المدينة يقرءون: هِيتَ لكَ، يكسرون الهاء ولا يهمِزون. قال: وذكر عن علي وابن
عباس أنهما قرآ: هِئْتُ لك، يراد به في المعنى: تهيَّأتُ لك، وأنشد الفراء:
أبلغ أميرَ المؤمني نَ أخذا العِراقِ إذا أَتَيْتاَ
أن العِراقَ وأهلهَ عُنُقٌ إلأيكَ فَهْيَتَ هيْتا
ومعناه: هُلمَّ هُلمّ. وقال الفراء في المصادر: من قرأ: هَيْتَ لك فمعناه: هَلُمّ لك.
4 - هروب سيدنا يوسف منها لأن سيدنا يوسف شرعي ملتزم بالشريعة لا يجالس النساء ولا يسامرهن هو في البيت للخدمة فقط يدخل ويخرج بحدود الشريعة والأدب.
وأنا في نظري أن رأي الشيخ محمد النبهان هو الأقرب للصواب والله تعالى أعلم.
هذا موجز رد على نقاطك التي تريد بها خرم إجماع المفسرين (كما قال الشيخ محمد نصيف)، بحسب ترتيبها عندك:
1 - زواجه بها لا يثبت أبداً برواية مرسلة من ابن إسحاق عن أهل الكتاب، فالزواج غير ثابت بسند مصدق. والظن بهذا الزواج المزعوم أنه من أكاذيب اليهود على يوسف عليه السلام وحسدهم لنسله، بدليل أن سبط يوسف لم يكن له شأن في تاريخهم بعد.
2 - زليخا (أي امرأة العزيز) ليست - على الراجح - سيدة ولا حرة ولا هي زوجة شرعية للعزيز، بل هي أمة من إماء صاحب القصر، لعلها سيدة الإماء فيه والمقدمة عليهن، وقد قص الله علينا منزلتها بقوله: (وألفيا سيدها لدى الباب). ولو كانت زوجة لقال تعالى: زوجها أو بعلها. وأحسب أن العزيز ساوى بينهما في رتبة المملوكية حين قال لهما معاً: (يوسف أعرض عن هذا. واستغفر لذنبك).
3 - الفعل (راود) إذا تعدى للمفعول الثاني بحروف جر فإنه يفيد المعنى منها بحسب التركيب كاملاً، ولا يجوز التمسك بلفظ واحد وترك الباقي كما لا يجوز لي النص عن معناه المسوق إليه، فراوده على الإسلام: طلب منه الدخول في الإسلام، وراودتني نفسي على رغبة: طلبت مني نفسي رغبة من رغباتها، وراودته على الكلام: طلبت منه الحديث، وراودته على المسامرة: طلبت منه أنه يسامرني، وراودته عن نفسه: طلبت منه شيئاً من متعلقات نفسه، ألا وهو الشهوة لا غير، وليس الكلام فحسب.
4 - فإذا اجتمع امرؤ مع امرأة وحصلت هذه الأفعال الثلاثة معاً: (راود) مع (غلقت الأبواب) مع (هيت لك) فما رأيك بما يحصل؟ لا شك هو الزنا، إلا إذا عصم الله تعالى، وليس مسامرة كلامية. وهذا ما حصل مع المعصوم يوسف عليه السلام.
5 - هروب يوسف كان لما استفحل الأمر، لأنه كان في بيتها، وتحت إمرتها، ورؤيته ممكنة لها، ومخاطبته العادية ممكنة أيضاً. فهناك قدر زائد على الكلام والرؤية ...
وهي من بعد امرأة قد تابت، وحقها على المؤمنين أن يغضوا الحديث عن شخصها، وأن يعتبروا بقصتها ...
ووالله تمنيت منك أن تنقل لنا من نفائس شيخك الكريم، بدل أن تنقل لنا زلاته. غفر الله لنا وله.
¥