وأخرج الدارمي برقم 3207 بإسناد حسن لغيره: عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: " أَكْثِرُوا تِلاوَةَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ " قَالُوا: هَذِهِ الْمَصَاحِفُ تُرْفَعُ! فَكَيْفَ بِمَا فِي صُدُورِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلا فَيُصْبِحُونَ مِنْهُ فُقَرَاءَ، وَيَنْسَوْنَ قَوْلَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَقَعُونَ فِي قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ " والمراد بالقول: ماجاء في الآية الكريمة: (وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجَنا لَهُمْ دَابَةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوْقِنُون) النمل / 82. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق يخرج الله لهم دابة من الأرض، قيل من مكة وقيل من غيرها .. فتكلم الناس على ذلك؛ قال ابن عباس والحسن وقتادة - ويروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم: " تكلمهم كلاماً " أي تخاطبهم مخاطبة، وقال عطاء الخراساني - ويروى عن علي واختاره ابن جرير -: " تكلمهم فتقول لهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " وفي هذا القول نظر لا يخفى والله أعلم، وقال ابن عباس في رواية: " تجرحهم " وعنه رواية قال: " كُلاً تفعل " يعنى هذا وهذا، وهو قول حسن ولا منافاة والله أعلم) تفسير القرآن العظيم (3/ 375 - 378).
وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة؛ منها:
ما روي عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: " أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة؛ فقال: لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق - أو تحشر- الناس، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا " رواه الإمام أحمد برقم 46 واللفظ له، ورواه مسلم برقم2901، وأبوداود برقم 4311، والترمذي برقم 2183 وقال: حسن صحيح، والنسائي برقم 11380، وابن ماجه برقم 4055.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من المغرب - أو من مغربها - " رواه الترمذي برقم 3072 وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم أو أمر العامة " رواه مسلم برقم 2947 وابن ماجه برقم 4056 وغيرهما. وهناك أحاديث كثيرة يطول ذكرها تدل على أن الدابة ستخرج في آخر الزمان، والله المستعان.
ومما جاء أيضاً في رفع القرآن آخر الزمان ما رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم 8698 عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
" لَيُنْتَزَعَنَّ هذا القرآن من بين أظهركم، قيل له: يا أبا عبد الرحمن: كيف يُنتزع وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يُسْرَى عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبد ولا مصحف منه شيء، ويصبح الناس كالبهائم " ثم قرأ قول الله تعالى: (ولئن شئنا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً) الإسراء / 86. قال ابن حجر في فتح الباري (13/ 16): سنده صحيح ولكنه موقوف. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 329): رجاله رجال الصحيح، غير شداد بن معقل وهو ثقة. وصححه الألباني.
وهذا الحديث حكمه حكم المرفوع، لأنه لا يُقال بالرأي.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (3/ 198): " فإنه يسرى به فى آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى فى الصدور منه كلمة، ولا فى المصاحف منه حرف ".
وقد أنزل الله القرآن هدى للناس وتكفّل بحفظه وهو المعجزة الخالدة للنبي صلى الله عليه وسلم وسيبقى يتعلّم منه ويهتدي عليه الأولون والآخرون ولكن في آخر الزمان قبل قيام الساعة مباشرة يقبض الله أرواح المؤمنين ولا يبقى في الأرض إلا شرار الخلق ولا تكون صلاة ولا صيام ولا حجّ ولا صدقة، ولا تكون هناك فائدة من وجود الكعبة ولا بقاء القرآن فيقدِّر الله عزّ وجلّ خراب الكعبة على يد كافر من الحبشة (روى البخاري في صحيحه برقم 1519 أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ")، ويرفع الله عزّ وجلّ القرآن من الأرض فلا تبقى منه آية في المصاحف والصدور، والله يغار أن يبقى كتابه في الأرض بلا فائدة لا يُعمل به فيحدث هذا الأمر.
وهذا الحدث المُخيف والخطير يدفع المسلم الصادق إلى المسارعة بالاهتمام بكتاب الله تعلما وحفظا وتلاوة وتدبّرا قبل أن يُرفع الكتاب
¥