ويقول عز من قائل محرضا على مواجهة الظالمين:
(((إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))) البقرة: 150.
بعد هذه الوعود والعهود يمكن إجمال القول بأنه ما أصاب الأمة من شر مثل ما أصابها من جراء فقه فقهاء متقاعسين عن عتبة مجاهدة الحكام, الراكنين إلى الظالمين على قاعدة تصيب منا ونصيب منك.
والله جل وعلا علق تمام نعمته على عباده الذين خافوا الله في السر والعلن ولم يخشوا أحدا من الظالمين.
والثقة بالله هي مطية المؤمنين للمعالي، والجهاد في سبيل الله سبيل الظفر وبلوغ إحدى الحسنيين. فهل تستفيق الهمم لاقتحام عقبة الجهاد ثقة بالله وبوعوده, بعد الأخذ بالحسبان تجنب العنف بكل أشكاله, فليس الجهاد حمل السلاح في وجه المسلم- إذ القاتل والمقتول في النار- بقدر ما هو حمل سلاح الحق والدعوة إلى سبيل الرشاد, لكون الحق اسم الله, ومن نصر الله نصره ولو كان فردا أعزلا من كل سلاح, إلا سلاح الإيمان والتقوى؟
] إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7.
* - خلاصة قول السنن الإلهية في الخروج على الحكام:
1 - الحاكم الكافر:
إن الحاكم الكافر لا تجوز طاعته بتاتا ومحاربته بكل السبل وبالإعداد ما استطاع المرء من قوة, وما استطاع لذلك سبيلا. إذ الخروج عليه واجب والحرب عليه معلنة واجبة وجوبا عينيا, إلا على الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا وجب عليهم الفرار منهم فرارهم من المجذوم.
2 - الحاكم المنافق والفاسق الظالم:
ينبغي مناصحته وإقامة الحجة عليه في الأمور الكلية للدين لا فيما تعورف عليه من خلاف في فقه الجزئيات. والرد في حسم الخلاف لله ولرسوله لا لغيرهما من مصادر تشريع الإنسان للإنسان.
عند امتناعه ورفضه للاستقامة وجب الخروج عليه حتى يستفيق من غفلته ويتوب إلى رشده, وإلا وجب الوقوف في وجه الباطل بكل ما أوتي المرء من سبيل حضاري يحفظ للناس دماءهم وللشرع حرمته ولأهل الذمة ذمتهم ولأهل الحقوق حقوقهم:] وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ [هود: 113.
] إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة: 150
] فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف: 54.
فكيف يسوغ بعد هذاالوعيد الشديد من جهة، وهذا الوعد بتمام النعمة والهداية من جهة ثانية، وكذلك خشية الكينونة مع الفاسقين والتخلف عن أوامر الله, - ودون أن يستخفنا الأمر فنقع في المحظور شرعا من إرجاف وحرابة فنضحى ممن أعلن الله ورسوله عليهم الحرب، و نحن ندعي ابتغاء مرضاته سبحانه و تعالى-. مراعين في ذلك قوله صل1: ... وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ "24 ( http://tafsir.net/vb/#_edn23).
إنها وسطية الإسلام فلا تطرف فيها, لا إلى إفراط ولا إلى تفريط.
وبين هذا وذاك يتصرف المسلم بكل حكمة وأمانة راجيا وجه الله ناصحا لقومه بدعوتهم للفرار إلى الله للنجاة من عذاب الخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
وهل المسألأة اقتضتها المصالح المرسلة التي لم يشهد لها الشارع باعتبار ولا بإلغاء، أم فعلا جاء الاجتهاد بناء على نصوص ثابتة وقطعية الورود والدلالة؟
* - خلاصة المصالح المرسلة:
لوحظ أن عددا من الاجتهادات التي أخذت من باب المصالح المرسلة ساندتها السنن الإلهية القرآنية, لكن بعض الاجتهادات تنكبت عنها. ذلك لأن السنن الإلهية قوانين أزلية, وأن بيان المصالح المرسلة يخضع لعدة عوامل وأمزجة. لقد دان العلماء بتأييد المنتصر بالسلاح كائنا من كان, وأوجبوا طاعته وهذا أقصى ميزة البعد عن السنن الإلهية.
¥