صَبْراً [الكهف: 82]؛
فمن هذا الجانب فقد أخبر عن الله بقوله: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: 82].
وأما إن دلت النبوة عن الرفعة فلا غرو هو من أرفع خلق الله؛ وقد أخبر عن غيبه وأطلعنا الله الجليل جل جلاله بأن اللوح المحفوظ لا يسمسه إلا المطهرون، ولاحظ معي هنا صيغة المطهرون وهي بصيغة المفعولية، فلله في خلقه شؤون، {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83] كما وردت صيغ أخر مثل المكرمين، المخلصين، المقربين، المصطفين الأخيار، والسابقين بالخيرات بإذن الله.
وأمافي شأن الرفعة فلا شك بأن من أتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما كانت هذه المميزات سببا للرفعة الربانية، والمكانة العالية، والله يمنّ بفضله على من يشاء، جعلنا الله جميعا من أهل تكريمه.
وبالاستجابة لدلالة اللغة، فلا غرو صدق من أرشد لذلك؛ لكن من حيث الاعتبار لما ورد عن السلف الصالح عليهم الرحمة والرضوان، لم أعثر على من أشار لذلك؛ ومن هنا كان ترجيحي بأنه ملك لكلام كثير من الربانيين أولو البصائر النيرة عن اللقاء معه وما أخبرهم به،
إذ لا يمكن أن يكون إلا من المنظرين، لبروزه في كل الأزمنة ومنها هذا الأثر: [أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فكان أحدهما يكثر الحلف فبينما هما كذلك إذ مر بهما رجل فقام عليهما، فقال للذي يكثر الحلف: يا عبد الله، اتق الله ولا تكثر الحلف، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف، قال: امض لما يعنيك، قال إن هذا مما يعنيني. قالها ثلاث مرات. ورد عليه قوله فلما أراد أن ينصرف عنهما قال: اعلم أن الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ولا يكن في قولك فضل على فعلك ثم انصرف فقال عبد الله بن عمر: الحقه فاستكتبه هؤلاء الكلمات فقال: يا عبد الله اكتبني هذه الكلمات يرحمك الله فقال الرجل: ما يقدر الله يكن وأعادها عليه حتى حفظهن ثم مشى حتى وضع إحدى رجليه في المسجد فما أدري أرض تحته أم سماء قال: فكانوا يرون أنه الخضر أوإلياس].
الراوي: الحجاج بن الفرافصة الباهلي المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الزهر النضر - الصفحة أو الرقم: 59 خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[21 Dec 2010, 04:20 م]ـ
أخي الكريم محمد جابري ... وفقه الله ..
ذهب بعض العلماء إلى أن الخضر نبيٌّ، وقد أيدَ ذلك الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان.
ليس الشنقيطي وحده؛ بل الخلاف في الخضر قديم هل هو نبي أو ملك أو رسول أو ولي.
وأصح أقوال أهل العلم في ذلك أنه نبي.
ولا خلاف بين أهل السنة - فيما أعلم - أن موسى عليه الصلاة والسلام أفضل من الخضر، وأنه على القول بأنه ولي فأبو بكر أفضل منه ولا شك.
وقصته بنى عليها المتصوفة كثيرا من بدعهم وضلالاتهم وأس ذلك وأساسه هو جهلهم بالخطاب القرآني والنبوي.
والله تعالى أعلم.
ـ[محمد جابري]ــــــــ[21 Dec 2010, 08:14 م]ـ
ليس الشنقيطي وحده؛ بل الخلاف في الخضر قديم هل هو نبي أو ملك أو رسول أو ولي.
وأصح أقوال أهل العلم في ذلك أنه نبي.
ولا خلاف بين أهل السنة - فيما أعلم - أن موسى عليه الصلاة والسلام أفضل من الخضر، وأنه على القول بأنه ولي فأبو بكر أفضل منه ولا شك.
وقصته بنى عليها المتصوفة كثيرا من بدعهم وضلالاتهم وأس ذلك وأساسه هو جهلهم بالخطاب القرآني والنبوي.
والله تعالى أعلم.
الأستاذ الحسيني شكر الله لك هذه المداخلة؛
وقد راجعت كثيرا من أقوال المفسرين، وما هي إلا أقوال، لاتمت بصلة لدليل، فالاعتماد لا يكون إلا على ما صح من أدلة الكتاب والسنة، قد يسعف أقوال بعضهم المصطلح اللغوي.
أما كونه من الملائكة فهذا من مهامهم {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].
والترجيح لا يكون بالرأي بل بالدليل.
أما لمز الصوفية، فهذا ما لا أرتضيه لمتق، فلله في خلقه شؤون، وهذا الانفصام بين فئات المسلمين عنه تتولد البدع، أليست إهانة المسلم للمسلم حرام، ألم تجد من كبار الفقهاء من تتلمذوا على يد الصوفية. لا أقول هذا دفاعا عنهم، فلقد خالطت بعضهم ووجدت المسلمين طوائف كل متشبث بجانب من الحق، دون أن يدرك ما عليه الآخر من صواب رأي. ومن هنا نشأ كل في معزل عن التواصل مع الآخر، وهكذا أضحوا فرقا متخالفة. وما أرى سبيلا أجدى وأنفع من سبيل الرعيل الأول والجيل الفريد الذي استقى تربيته من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا أسوة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]
ونحن هنا بصدد مناقشة أفعال الخضر عليه السلام وكونها دروسا احترازية ووقائية، لا علينا إن ناقشنا ما ذهب إليه الصوفية في اتخاذ الولي المرشد بناء على هذه القصة، فهل من استعداد لذلك؟
¥