تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يركن أيضا لتخاريف العقل وأضاليله ظنا منه أن العقل قوة قد تغنيه عن الله وكما قال تعالى في قوم من هؤلاء {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} وهذه أدهى وأمر من سابقتيها , إذ العقل مرتبط بطبيعة النفوس من صلاح أو فجور , والنفوس مرتبطة بالإيمان باعتبار التزكية الإيمانية للنفس , وانتفاء الإيمان انتفاء التزكية وانتفاء هذه الأخيرة يعني رجوع النفس لطبيعتها – بظلمها وفجورها وأهواءها – والعلم بيد هذه النفوس وبال على الإنسانية وشقاء , ويصير الجهل حينئذ غاية تنشد ومطلب يرام.

* * *

وفي موضع آخر من القرآن يعرض الحق سبحانه دور هذه المركزية – مركزية الإيمان – في تقوية النفس وشد العزيمة وتثبيت الأقدام , يعرض الحق سبحانه دورها في رفع قدرات النفس وطاقاتها لفوق مستواها حين تتصل بالله , ففي قصة موسى يذكر تعالى {ويا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} وهنا تنكشف طبيعة صلة قوم موسى بالله ومدى رسوخها وثباتها في نفوسهم , فإذا بها ضعيفة واهية وإذا بهم منفصلون عن هذه المركزية ,فأفضى بهم هذا الأمر إلى الجبن والخوف {قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} وهنا يعرض الحق سبحانه صورة إيمانية تقابل هذه الصورة فجاء وصف من استعلج عودهم بالإيمان وثبتت أقدامهم بالتقوى وقويت نفوسهم بصدق الصلة بالله {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} , لكن مركزية الإيمان إذا انتفت من القلب عمي ذلك القلب وبقي صاحبه يتكفأ كالذي يتخبطه الشيطان من المس {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} وهنا يلوذ موسى بإيمانه وربه {قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} , فماذا كانت نتيجة الانفصال عن مركزية الإيمان؟؟؟

نتيجتها التيه والعماءة {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين}.

وهكذا في كل من ينفصل عن مركزية الإيمان على صعيد الفرد أو المجتمع أو حتى الأمة يفضي هذا الانفصال آخر ما يفض لاضطراب وتعثّر بمجريات الحياة , وقد يختلف انعكاس هذا الاضطراب من حيث الكيفية , فهو في الطفل بكاء وهو في البالغين سوء تدبير ووقوع في الخطأ وتخبط لكنه - من حيث أصل العلة- واحد , وهي ضعف الإنسان , وحاجته الملحة لمركزية يقوي بها ضعفه.

وهذا الشعور هو ما أبكى الطفل حين انفصل عن أمه , وهذا ما زلزل النفوس وأربكها عند الكبار فاضطربت حين انفصلت عن الله فبقيت ضعيفة تتحسس من الحياة مواطن القوة فلا تجدها , وإن وجدت ما تصانع به نفسها أنه قوة , فهي مؤمنة في قرارة نفسها- شاءت أم أبت- أن حقيقة القوة التي يعوّل عليها في الحياة لا يمكن أن تكون سوى التقوى وحسن الصلة بالله ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير