تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[افتراع المعاني (مقالة مهداة إلى المشرف العام بمناسبة حصوله على الدكتوراه)]

ـ[ابن الشجري]ــــــــ[25 Oct 2005, 06:36 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وآله وسلم وبعد

فإن العلم نور من الله يهبه لمن يشاء من عباده المؤمنين، ولاشك أن من أشرف العلوم علوم كتابه تعالى لشرف المعلوم، وكم يغبط من فتح الله عليه في باب التفسير وفهم كلام العزيز الخبير، فمع كثرة كتب التفسير وتنوع أساليبها، إلا أن الكتب التي تقرأ فيها وتشعر أنك تقرأ تفسير كلام الله قليلة جدا، ومن يكتب في بيان علوم هذا العلم ويقربها للناس ويحاول تجديد ما درس من رسومها أقل من القليل، ولاحول ولا قوة إلا بالله.

ومن نعم الله علينا التي يكل الذهن عن تصورها وحصرها، نعمة الحاسوب وهذه الشبكة العنكبوتية التي تقرب لك البعيد، وتدنيك من الشارد الغريب، فتتناول أي كتاب أردته في أي مكان عرفته أو لم تعرفه بنقرة صغيرة من أنملة ضعيفة في أقل من طرفة عين، لا أقول فواق ناقة أو ناقتين.

فسبحان الله العظيم، والحمد لله رب العالمين، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيد فضله، على ما سخره لنا، ووهبه وفتح به على الناس، ولكن أكثر الناس لايشكرون.

أرأيتم هذا الملتقى العلمي وغيره من المنتديات والملتقيات، وكيف تكتب فيها ماشئت في أي ساعة أردت، دون حاجة لحبر أو قرطاس، أو ناسخ أو ناشر، يوم كانت الناس تفتقد اللخاف والكاغد، والجلد والعظم، لتسطير كلامها، ورصف منثورها و منظومها، اللهم إني لنعمك من المقرين فاجعلني بمنك لها من الشاكرين، وجنبني مزالق الطلبة والكاتبين.

لقد انتفعت كما انتفع سواي بكثير مما يكتب في هذا الملتقى، من علماء فضلاء، وأدباء نبلاء، فأراه كل يوم ينمو ويكبر، عهدي به في المهد رضيعا ففطيماً، وإذ به مع الأيام يافعاً حزوَّراً، وقريبا يبلغ الأشد، وتكثر فيه الأسد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ومع هذا كله فإني أرى أقلاماً تريد أن تشب عن الطوق، وتتزبب قبل أن تتحصرم، وتخترع الرأي الفطيرَ، والكلام المبتسر، وإنه لأمر جلل مع كلام الله رب العالمين.

سمعنا عن فقهاء قالوا بما لم يقل به قبلهم أحد من العالمين، فما هالنا الأمر وما استعظمناه لما للرأي من مجال واسع ومسلك وعر تزل فيه الأقدام، وتتفاوت فيه القرائح والأفهام، فكم من رأي إذا سمعته طنت منك الأذنان وقلس الخاطر وانقبضت الوجنتان، كقول من قال بوجوب غسل السواد والبياض من العينين، وجواز أكل الثلج للصائم لأنه ليس أحد المطعومين، وجواز سماع المعازف وطرق الدف باليدين ... ، ثم لا تتمالك إلا أن تترحم على القائل وتستغفر له.

وقد نقبل هذا من محدث نحرير يضعف ماصححه البخاري أو يصحح ما ضعفه أبو زرعة الرازي، نعم ... فمازال مجال التصحيح والتضعيف ذا سعة، وإن خالف في هذا ابن الصلاح رحمه الله ومن معه، فالأمر لم يصل بعد للتعرض للوحين، وإنما كان هذا لتفوات النقل عن حال الراوي وما ينظر به كلا الفريقين، كما فعل الدارقطني رحمه الله، في إلزاما ته وتتبعا ته لما في الصحيحين.

وكم نطرب ونهتز لشاعر مفلق يفترع الأبكار من المعاني، ويصوغها لنا في أجمل المباني، ونأنس بهدير خطيب مصقع يحيي أصوا ت المنابر ويستحلب الدمع من المحاجر والمآقي، ونسعد بكاتب أو ناثر يوشي حديثه بخرائد الألفاظ وبديع المعاني.

مع أن الجم الغفير من النقاد لايعولون كثيرا على المعاني السائرة، أكثر من تعويلهم على ماصيغت فيه من حلل مبتكرة باهرة، وإليك ما قال أبوهلال رحمه الله في الصناعتين: (وليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي، وإنما هو في جودة اللفظ وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه، وكثرة طلاوته ومائه، مع صحة السبك والتركيب، والخلو من أود النظم والتأليف، وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولايقنع من اللفظ بذلك حتى يكون على ما وصفناه من نعوته التي تقدمت) أهـ (1)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير