تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مفهوم الأمية]

ـ[د. محمد الجهني]ــــــــ[14 Oct 2005, 01:58 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد احتج القائلون بالحساب الفلكي بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا ... " فقالوا إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- علل "أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فما من سبيل لديها لمعرفة حلول الشهر ونهايته إلا رؤية الهلال الجديد، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين وتارة ثلاثين. وهذا ما فهمه شراح الحديث من هذا النص."2 والقائلون بهذا القول جعلوا من أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- أمتين, أمة أمية وأمة غير أمية. والسؤال الذي نطرحه الآن, هل كان الصحابة بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أميين؟ وهل ارتفعت الأمية عن المسلمين اليوم لأنهم أصبحوا يعرفون الحساب الفلكي؟. ثم نسال سؤالا آخر, هل يمكن أن يكون الخطاب في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خاصا للأمة الأمية التي لاتعرف الحساب الفلكي؟ أما متى عرفت الحساب فيجوز لها أن تلغي هذا الحديث وتسقط اعتباره لأن المكلف به الأمة الأمية.

أقول وبالله التوفيق إن الأمي في معاجم اللغة كاللسان وغيره هو الذي لايكتب وتأتي بمعنى الذي على خلقة الأمة لم يتعلم الكتاب فهو على جبلته والأميون جمع أمي. ومعنى "إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب" أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى. ومعنى الحديث "بعثت إلى أمة أمية" قيل للعرب الأميين لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أوعديمة. وقيل لسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- , الأمي لأن أمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب, وبعثه الله رسولا وهو لايكتب ولا يقرأ من كتاب.

أما معنى الأمة في معاجم اللغة فقد وردت لها معان مختلفة منها أن كل قوم في دينهم من أمتهم وتفسير الآية "إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" والآية "إن هذه أمتكم أمة واحدة" أي دين واحد. وورد أيضا أن كل من مات على دين واحد مخالفا لسائر الأديان فهو أمة على حدة كما كان إبراهيم عليه السلام أمة. وكل قوم نسبوا إلى نبي وأضيفوا إليه فهم أمة وقد يجئ في بعض الكلام أن أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- هم المسلمون خاصة وجاء أيضا أن أمته من أرسل إليه ممن آمن به أو كفر به فهم أمته في اسم ألأمة لا الملة. وكل جيل وكل جنس من السباع والحيوان أمة كما ورد في قوله تعالى " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أُمم أمثالكم" وقوله –صلى الله عليه وسلم- "لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم" وتأتي الأمة بمعنى الجماعة والطريقة والدين.

والأمية في كتب التفاسير كابن كثير والقرطبي لاتختلف كثيرا عنها في كتب اللغة فالأميون في الأية الكريمة "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ" (البقرة 78) هم أهل الكتاب الذين لايعلمونه إلا تخرصا وظنونا والأمي هو الذي لايحسن الكتابة. والأية "فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد" (آل عمران 20) فرقت بين الذين أوتوا الكتاب والأميين فقال بعض المفسرين أن الأميين هم العرب. وقال بعضهم إن العرب نسبت من لايكتب ولايخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه. أما قول أهل الكتاب في الآية "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران 75) ليس علينا في الأميين سبيل يعني العرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير