[نظرة في نشأة علوم القرآن الكريم]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[04 Oct 2005, 11:20 ص]ـ
[نظرة في نشأة علوم القرآن الكريم]
أثناء تعليقي على كتاب الاتقان للسيوطي، جمعت مقدمة في تاريخ علوم القرآن، فظهر لي في بحث النشأة معلومات جديدة من جهة تقسيم النشأة، وطرائق العلماء في التدوين في علوم القرآن، وما حدث لهذا المصطلح من تعدد في المرادات، فأحببت أن تشاركوني فيها الرأي؛ لأني سأعمد إلى تأليف كتاب مستقل في نشأة علوم القرآن الكريم، وقد جمعت بعض الأفكار، وسأطرح بعضها ملخصة لعلها تفيد كاتبها وقارئها، فأقول:
إن مما يحسن تقريره أول الأمر أنني سأبحث عن مصطلح علوم القرآن كما نشأ تاريخيًّا، وليس كما استقرَّ في أذهننا من خلال ما كتبه الزركشي (ت: 794) أو السيوطي (ت: 911)؛ لأنه بسبب تصورنا عن علوم القرآن من خلال ما كتباه قد يَمُرُّ ما يعارضه فلا يُنتبه إليه؛ لأن الأفكار المسبقة التي كوَّنَّها من خلال غلبة هذا علينا = قويةٌ ومؤثرةٌ بحيث صار العقل ينكر ما يتعارض مع هذه الأفكار أو يتجاهلها، فإذا دخلتْ هذه الموضوعات إلى محل النقاش والجدل العلمي بان ما فيها من حاجة إلى تحرير وتنقيح.
وقد ظهر أثر استقرار المصطلح على ثلاثة أمور:
الأول: الغفلة عن تعدد إطلاقات هذا المصطلح عند العلماء، حيث ظهر لي أنهم يطلقونه مرة على علم القراءات، ومرة على التفسير، ومرة على جملة علوم القرآن، ودونك بعض الأمثلة من كتب التراجم:
1 ـ قال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت: ((سمعت الشعبي ـ وقيل له: إن اسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم القرآن ـ قال: إن اسماعيل قد أعطي حظا من جهل بالقرآن)).
2 ـ عن الأصمعي قال: ((قال لي أبو عمرو: لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت. لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كُتِبَتْ ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قُرىء لقرأت كذا وكذا، وذكر حروفًا)) معرفة القراء الكبار 1: 103.
3 ـ قال عمارة بن زيد المدني: ((كنت صديقا لمحمد بن الحسن، فدخلت معه إلى الرشيد، فسأله عن أحواله، فقال: في خير يا أمير المؤمنين، ثم تسارَّا، فسمعت محمد بن الحسن يقول: إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهل.
قال: فغضب الرشيد، وقال: عليَّ به. فأُتِي به، حتى وقف بين يدي الرشيد، فَكَرِهَ الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان، فقال له: هيه؟ قال: وما هيه يا أمير المؤمنين، أنت الداعي وأنا المدعو. وأنت السائل وأنا المجيب.
قال: فكيف علمك بكتاب الله؟ فإنه أولى أن يُبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري وجعل جنبي دفتيه.
قال: فكيف علمك به؟ قال: أي علم تريد يا أمير المؤمنين؟ أعِلْم تأويله أم عِلْم تنزيله؟ أم مَكِّيُّه أم مدنيُّه؟ أم ليليه أم نهاريه؟ أم سفريه أم حضريه؟ أم هجريه أم عربيه.
فقال: له الرشيد: لقد ادعيت من علوم القرآن أمرا عظيما)). تاريخ دمشق. (51: 319 ـ 320).
الثاني: عدم الاعتداد في أول مؤلَّف بما لا يحمل مصطلح (علوم القرآن).
إذا كانت العبرة في مصطلح علوم القرآن بما كُتب لا بعنوان المكتوب، فإن (فهم القرآن) للحارث المحاسبي (ت: 243) هو أول ما دُوِّن في علوم القرآن؛ لأنَّ موضوعاته كلها في علوم القرآن، وهي (فضائل القرآن، فضائل القراء، فقه القرآن، المحكم والمتشابه، النسخ ـ وهو أطولها ـ التقديم والتأخير، الإضمار، الحروف الزوائد، المفصَّل والموصول).
أما إذا كنا نبحث عن كتاب معنون بعلوم القرآن أو أحد مرادفاته، فإن ظهورأول مدون في علوم القرآن سيتأخر، وفي ذلك التأخير نظر؛ لأن الأصل مادة الكتاب وليس عنوانه فقط، لذا عدَّ بعض الباحثين المعاصرين كتاب (جمال القراء وكمال الإقراء) للسخاوي (ت: 643) من كتب علوم القرآن ـ وإن لم يرد في عنوانه هذا المصطلح، لكنه يتضمن جملة من علوم القرآن المتعلقة بالإقراء ـ، فلم لم يعدوا كتاب (فهم القرآن) من كتب علوم القرآن.
¥