حكم الوقف على المدّ العارض للسكون الذي آخره هاء التأنيث نحو {الصلاة}
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[16 May 2005, 05:37 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
إذا كان المدّ العارض للسكون آخره هاء التأنيث وهي التي في الوصل تاء وفي الوقف هاء نحو {الصلاة} {الزكوة}، {التورة}، {مزجة} ففيه الأوجه الثلاثة القصر والتوسّط والطول بالسكون المحض ولا يجوز فيها الروم والإشمام سواء كانت التاء مكسورة نحو {ببضاعةٍ مزجةٍ} أم مضمومة نحو {أن تُنزَّل التورةُ} لأنّها مستثناة من الروم الإشمام. والعلّة من استثنائها أنّ هاء التأنيث مبدلة من التاء التي كانت في الوصل. والروم الإشمام لايدخلان في حرف كانت الحركة في غيره ولم تكن فيه. وهي لا تكون مفتوحة ولا مضمومة ولا مكسورة لأنّها معربة دائماً وليست مبنيّة (انظر هداية القارئ 1/ 320).
اختلف العلماء في المدّ العارض للسكون الذي يقع قبل هاء التأنيث إلى قولين:
الأوّل: جواز المدّ فيه بالقصر والتوسّط والطول كبقيّة المدود العارضة وذلك لعروض هاء التأنيث لأنّها لا تثبت إلاّ في الوقف والسكون تابع للهاء فيأخذ حكم العروض بالتّبعيّة.
الثاني: يمدّ مداً طويلاً وجهاً واحداً كالمدّ اللازم والحجّة في ذلك أنّ هاء التأنيث وإن كانت عارضة فالسكون الذي فيها لازمٌ لها إذ حيث وُجِدت الهاء وُجد السكون معها، وليس في كلام العرب هاء تأنيث مكسورة أو مضمومة أو مفتوحة، ولمّا كان سبب اللزوم هو السكون لا الحرف وكان السكون ملازم للهاء ولو كانت الهاء عارضة أخذ السكون حكم اللزوم. وممّا يُقوّى هذا المذهب الوقف على كلمة {الئىِ} حيث جاز لورش عند الوقف عليها حذف الياء وإبدال الهمزة ياءاً ساكنة مع إشباع المدّ بقدر ستّ حركات لأجل سكون الياء (الآيْ) وقد اتفق كلّ الرواة عن ورش في ذلك. الملاحظ أنّ كلمة (الآيْ) ككلمة (الصلاة) لأنّ الياء في (الآيْ) عارضة لا تكون إلاّ في الوقف كما في هاء (الصلوة)، والسكون الذي في الياء من (الآيْ) لازم لأنّ الياء لا تتحرّك وقفاً كما في سكون الهاء من (الصلوة). وممن ذهب إلى ترجيح هذا المذهب العلاّمة المارغني في كتابه نجوم الطوالع ص52،و53 والعلاّمة الصفاقصي في كتابه غيث النّفع وأبو عمرو الداني في مفرداته على ما ذكره المارغني من نفس المصدر، والشيخ المرصفي في كتابه هداية القارئ ص (1/ 322).
والذي يظهر والله أعلم أنّ القراءات المقروءة اليوم هي من ّكتاب النّشر في القراءات العشر لابن الجزري رحمة الله وهو تلقّى هذه القراءات بالسند إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولو كان ما ذكره العلاّمة المارغني وغيره من الترجيح صحيحٌ لسبقه في ذلك إمام الفنّ ابن الجزري وغيره من المحققين القدامى والأصل في القراءة هو الاتّباع، والقياس لا يكون إلاّ في المسائل التي فيها غموض ولم يرد فيها نص كما ذكر بن الجزري في النشر ولذلك قال الشاطبي:
وما لقياسٍ في القراءة مدخلٌ ...... فدونك ما فيه الرضا متكفّلا
فالقياس يُرجع إليه عند الضرورة وهو الغموض في المسئلة وعدم وجود نصوص نحو الإظهار مع السكت في {مالية هلك} إذ لا يمكن أن يتأتى الإظهار إلاّ مع السكت لبعد مخرج الهاء وخفائها وكذلك الوقف على كلمة {شيء} ونحوها بالسكت في رواية حفص من طريق التجريد لابن الفحام والروضة للمالكي والتذكار لابن شيطا وهم من طرق الطيّبة، فأوجب العلماء الوقف على {شيء} ونحوها بالروم ضرورة وأخذاً بالقياس إذ لا يمكن أنّ نقف بالسكون مع السكت.
ومن الملاحظ أنّ الترجيح الذي ذهب إليه العلاّمة المارغني رحمه الله من إشباع العارض للسكون في نحو {الصلاة} مبنيّ على القياس المحض والمسألة ليس فيها غموض ولا ضرورة فلا حاجة للقياس حينئذ، وقد نص جمهور العلماء لا سيما القدامى على جواز القصر والتوسّط والطول في المدّ العارض للسكون من غير قيد فكيف يقابل النص بالقياس، وعلى هذا يقدّم جواز القصر والتوسّط والطول في المدّ العارض للسكون الذي يكون قبل هاء التأنيث وهو المعمول به اليوم في معظم الأقطار الإسلاميّة ولا مانع من الأخذ بالمذهب الثاني والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
محمد يحي شريف الجزائري