تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أسرار البيان في أمثال القرآن- فمثله كمثل الكلب]

ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[25 Jun 2005, 12:41 م]ـ

قال الله تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف: 175 - 178)

أولاً- هذه الآيات الكريمة نزلت في إنسان كان عالمًا بدين الله تعالى وتوحيده، ثم خرج منه إلى الكفر والضلال. وظاهر الموصول المفرد {الَّذِي} يشير إلى أن صاحب الصلة واحد معيّن، وأن مضمون الصلة حال من أحواله التي عرف بها. وإذا كانت الآية الكريمة- كما ترى- قد أبهمت اسمه، واقتصرت على الإشارة إلى إجمال قصته، فإنها مع ذلك ظاهرة في أنه نبأ واقع، لا مجرد تمثيل؛ كما ذهب إليه بعضهم.

وقد اختلف المفسرون في تعيينه على أقوال، أقربها إلى الحقيقة أن يكون صاحب هذا النبأ ممّن كان للعرب إلمام بمجمل خبره؛ كأمية بن أبي الصلت الثقفي؛ وذلك أن أمية كان- فيما روي عنه- ممن أراد اتباع دين غير الشرك طالبًا دين الحق، ونظر في التوراة والإنجيل، فلم يرَ النجاة في اليهودية، ولا النصرانية، وتزهَّد وتوخَّى الحنيفية دينَ إبراهيم- عليه السلام- وأخبر أن الله يبعث نبيًّا في العرب، فطمع أن يكونَه هو ذلك النبي، ورفض عبادة الأصنام، وحرم الخمر، وذكر في شعره أخبارًا من قصص التوراة، ويروى أنه كانت له إلهامات ومكاشفات وكان يقول:

كل دين يوم القيامة عند اللَّه إلا دين الحنيفيةُ زُورُ

فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم، أسف أن لم يكن هو الرسول المبعوث في العرب. وقد اتفق أن خرج إلى البحرين قبل البعثة، وأقام هنالك ثمان سنين، ثم رجع إلى مكة، فوجد البعثة، وتردد في الإسلام، ثم خرج إلى الشام، ورجع بعد وقعة بدر، فلم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم حسدًا، ورثى من قُتل من المشركين يومَ بدر، وخرج إلى الطائف بلاد قومه فمات كافرًا.

وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ” كاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم “. وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ” آمن شعره وكفر قلبه “. يريد أن شعره كشعر المؤمنين، وذلك أنه يوحد الله في شعره، ويذكر دلائل توحيده من خلق السموات والأرض، وأحوال الآخرة، والجنة والنار، والثواب والعقاب، واسم الله وأسماء الأنبياء .. وروي عن أمية أنه قال لما مرِض مَرض موته:” أنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد “.

وذهب كثير من المفسرين إلى أنه رجل من الكنعانيين، وكان في زمن موسى عليه السلام، يقال له: بلعام بن باعُور. أو بلعَم بن باعوراء- كما روي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رحمهم الله- وذكروا قصته فخلطوها وغيَّروها واختلفُوا فيها.

والتحقيق- كما قال ابن عاشور- أن بلعام هذا، أو بلعم، كان من صالحي أهل مَدْيَن وعرَّافيهم في زمن مرور بني إسرائيل على أرض (مُؤاب)؛ ولكنه لم يتغير عن حال الصلاح، وذلك مذكور في سفر العدد من التوراة في الاصحاحات (22ـ 23ـ 24)، فلا ينبغي الإلتفات إلى هذا القول لاضطرابه واختلاطه.

وقال الفخر الرازي:” وجائز أن يكون هذا الموصوف فرعون، فإنه تعالى أرسل إليه موسى وهارون، فأعرض وأبى، وكان عاديًا ضالاً متبعًا للشيطان“ .. وقيل:” هو عام فيمن عرض عليه الهدى، فأعرض عنه“. وهو قول قتادة وعكرمة وأبي مسلم. وقيل غير ذلك.

ومناسبة هذه الآيات لما قبلها إشارة إلى العبرة من حال أحد الذين أخذ الله عليهم العهد بالتوحيد والامتثال لأمر الله، وأمده الله بعلم يعينه على الوفاء بما عاهد الله عليه في الفطرة، ثم لم ينفعه ذلك كله حين لم يقدر الله تعالى له الهدى المستمر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير