[حول مسألة الحكم بغير ما أنزل الله: في ضوء القران والسنة]
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[15 Aug 2005, 06:02 م]ـ
تعد مسألة (الحكم بغير ما أنزل الله) من كبرى مفردات الفكر التكفيري، وأخطرها على الإطلاق، إذ إنَّ أصحابه يطلقون إزاءها القول بالتكفير ولا يفصلون، ويوالون عليها ويعادون. فبات لزاماً أن يكتب في هذه المسألة في ضوء الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة؛ لتهتك تلك الغشاوات التي حجبت عقول شباب الأمة عن التصور الصحيح لهذه المسألة وإنزالها منزلتها من الدين والعقيدة " .. فكان بحثي هذا.
فهل صحيح أن من يقول بالتفصيل في مسألة القوانين الوضعية يعد من المرجئة؟ أم أن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة الذي تقتضيه أصولهم البينة النيرة .. ؟
وهل هناك نصوص عن أئمة الإسلام مثل ابن راهويه وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حزم تدل على كفر من حكم بالقوانين الوضعية دون تفصيل؟ وما حقيقة الإجماعات التي يحكيها مخالفونا عن هؤلاء الأئمة؟ ومتى يُكفّر الحاكم بغير ما أنزل الله؟ وما معنى مصطلحات مثل التبديل والالتزام .. ؟
أسئلة كثيرة ومهمة, تحتاج إلى إجابة شافية قاطعة مُؤَصِلة .. تستأصل شأفة الخلاف بعيدا عن التعصب وضيق الأفق واتباع المتشابهات وترك المحكمات.
وللإجابة على هذه الأسئلة نستعين بالله ونتوكل عليه, ونقول كما قال موسى عليه السلام: "رب اشرح لي صدري, ويسر لي أمري, واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي". ونقول: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إنك أنت الوهاب".
وانظر بحثي كاملا بكل أجزائه (حول مسألة الحكم بغير ما أنزل الله: في ضوء القران والسنة) في الملتفى المفتوح, حيث سأضعه هناك قريبا إن شاء الله.
وسوف أضع هنا ما يتناسب مع هذا القسم من الملتقى.
ولنبدأ بعون الله:
1 - نظرات تأصيلية حول آيات الحكم بغير ما أنزل الله
" لكي يستقيم للمخالف استدلاله بآية المائدة (44) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} على ما أقام له كتابه من كفر جميع من لم يحكم بما أنزل الله دون تفصيل .. اللهم إلا من حكم منهم في واقعة معينة من غير استحلال. وذهب ينكر كينونة الشمس في رابعة النهار, فادعى أن اليهود (لم يكونوا مستحلين)!! "
أقول ردا على ذلك: الإشكالات والتردد في قضية التكفير وفي تفسير آيات الحكم بغير ما أنزل الله عند كثير من الباحثين- مثل: أن حكم الآية خاص بأهل الكتاب، ولا يتعدى إلى المسلمين. أو أن حكمها عام يدخل فيه الجميع .. إلخ- يقطعه ما سوف سأقوله الآن بإذن الله:
(((هناك فرق كبير جدا وواضح وضوح الشمس في كبد السماء بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم, وبين مجرد ورود العام على سبب, فإنه لا يقتضي التخصيص))).
تأمل أخي هذه العبارة جيدا - وقد نبه إلى هذه القاعدة الإمام ابن دقيق العيد (نيل الأوطار 4: 305 - 307) , وعنه العلامة القرضاوي (فقه الصيام ص44) - فهي مهمة جدا وخطيرة, تفصل النزاع في الكثير والكثير من القضايا. مثلا قضية الصوم في السفر وحديثها الشهير (ليس من البر الصيام في السفر) .. , هذا الحديث ليس على عمومه وإطلاقه هكذا, بل اقرأ –لزاما, وقبل أن تكمل تعليقي هذا- سبب ورود الحديث, ثم طبق عليه هذه القاعدة. ثم طبق ذلك على آيات الحكم بغير ما أنزل الله ...
فقد روى مسلم عن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم .. الحديث.
فتأمل قولهم ((نعم)) , فقد جعلوه ديناً كباقي الشرائع المنصوص عليها في كتابهم، وبهذا النص تفهم معنى التبديل الذي أراده العلماء ويَظهَرُ لك أنّ المقصود بـ (الكافرون) في آية المائدة هو المبدل للشرع .. " فإن حكم إنسان بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين". [وانظر لزاما (الباب الثاني- الفصل الرابع من هذا البحث؛ لتعلم المقصود بمصطلح التبديل عند العلماء)].
¥