تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التحقيق في مسألة مراتب القلقلة]

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[18 Jun 2005, 10:56 ص]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

اختلف المتأخّرون في مراتب القلقلة إلى مذهبين.

فالمذهب الأول يرى أنّ للقلقلة مرتبتان وهي الصغرى و الكبرى. فالصغرى هي التي تكون في الساكن لغير الوقف نحو الباء في {يبْتغون} والقاف في {خلقْنا} والكبرى تكون للوقف في الحرف المتطرّف نحو الباء في {أبي لهب} والقاف في {الحقّ} والدال في {قل هو الله أحد} {الله الصمد} ونحو ذلك. وعلى هذا القول تختصّ القلقلة بالحرف الساكن فقط دون المتحرّك وعليه فصفة القلقلة إذاً صفة عارضة حيث تعرض للحرف حال سكونه فقط، وهو مذهب أهل الشام حالياً.

المذهب الثاني: أنّ للقلقلة أربعة مراتب وهي:

- الحرف الساكن المشدّد الموقوف عليه نحو الباء في {الجبّ} و {تبّ} والقاف في {الحقّ}.

- الحرف الساكن المخفف الموقوف عليه نحو القاف في {خلاق} والدال في {أحد}، و {الصمد}.

- الحرف الساكن لغير الوقف نحو الباء في {يبتغون} والقاف {خلقنا}.

- الحرف المتحرّك نحو القاف في {القمر}، والباء والطاء في {وبَطَلَ}.

فصفة القلقلة في المراتب الثلاثة الأولى تكون كاملة وفي المرتبة الأخيرة أصلها.

وهو المذهب المشهور والمأخوذ به اليوم وهو الصحيح كما سيأتي، وهو امتاز عن الأوّل بالتفريق بين المشدّد والمخفف وإثبات أصل القلقلة في المتحرّك.

مناقشة أدلّة كلّ مذهب:

استدلّ المذهب الأوّل بقول ابن الجزري رحمه الله:

وبيّنن مقلقلاً إن سكنا ....... وأن يكن في الوقف كان أبينافاستدلوا بهذا البيت على أنّ المقلقل لا يكون إلاّ في الساكن لقول ابن الجزري رحمه الله (إن سكنا) من جهة، ومن جهة أخرى أنّ ظاهره يدلّ على أن للقلقلة مرتبتان وهما الساكن لغير الوقف والساكن للوقف الذي يكون أبين.

وهذا الاستدلال غير صحيح لعدّة أسباب:

السبب الأوّل: أنّ قول ابن الجزري رحمه الله (وبيّناً مقلقلاً إن سكنا) لا يدلّ على منع أصل القلقلة في المتحرّك بل مراده بيّنها وأشبعها في الساكن. وهو كقوله (وأظهر الغنّة في نون ميم إذا ما شدِّدا) أي مكّن الغنّه وأشبعها عند تشديد الميم والنون، ولا شكّ أنّ ما قاله رحمه الله لا يدلّ على امتناع الغنّة في النون والميم المتحرّكتين أو الساكنتين المظهرتين كما هو معلوم.

السبب الثاني: من المعلوم أنّ القلقلة ناتجة عن صفتين لازمتين وهما الشدّة والجهر، فالشدّة منعت الصوت من الجريان والجهر منع النفس من الجريان، فاحبس الصوت والنفس جميعاً، فاحتاج الحرف إلى نبرة وهي التي تسمّى بالقلقلة حتّى يتمكّن الصوت من الخروج ليكون مسموعاً. فبالله عليك كيف تنشأ صفة عارضة عن صفتين لازمتين؟ فإن كان الحرف شديداً ومجهوراً حال تحرّكه فما الذي يمنع من وجود أصل القلقلة في المتحرك إذ إنّ القلقلة نائشة عن الشدّة والجهر كما سبق. ولذلك قال المرعشي في جهد المقل ص149 " واعلم أنّ القلقلة باجتماع الشدّة والجهر كما في بعض الرسائل - شرح الدر اليتيم - يشير إلى أنّ حروف القلقلة لا تنفكّ عن القلقلة عند تحرّكها وإن لم تكن القلقلة عند تحرّكها ظاهرة، كما أنّ حرفي الغنّة وهما النون والميم لا يخلوان عن الغنّة عند تحرّكهما وإن لم تظهر" اهـ. وقال الشيخ محمد مكّي نصر " والحاصل أنّ القلقلة صفة لازمة لهذه الأحرف الخمسة لكنّها في الموقوف عليه أقوى منها في الساكن الذي لم يوقف عليه وفي المتحرّك قلقلة أيضاً لكنّها أقلّ فيه من الساكن الذي لم يوقف عليه لأنّ تعريف القلقلة باجتماع الشدّة والجهر .. اهـ" (نهاية القول المفيد ص55).

السبب الثالث: أنّ في جميع الكتب القديمة والحديثة نجد أنّ القلقلة منصوصة ضمن الصفات اللازمة كالاستعلاء والرخاوة والجهر وغيرها إذ لو كانت صفة عارضة لوجدناها منصوصة ضمن الصفات العارضة كالتفخيم والترقيق والإدغام والإظهار وغيرها وهي الصفات التي اختلف القراء فيها بخلاف الصفات اللازمة ومن بينها صفة القلقلة لا خلاف فيها بين القراء بل ولا عند أهل اللغة.

أمّا التفريق بين المشدّد والمخفف فملموس سمعاً وأداءاً ونصاً حيث أنّ المشدّد بمثابة حرفين مخففين لذلك كان أقوى من المخفف وقد نصّ القدامي على ذلك فقال القرطبي (ت461) في الموضح وهو يتكلّم عن المشدّد: " إلاّ أنّ مُكثُهُ واحتباسُهُ في المشدّد لما حدث من التضعيف أكثر من مكثِهِ واحتباسه في المخفف ... " الموضح ص140 وقال ابن الجزري " فينبغي للقارئ أن يبيّن المشدّد حيث وقع، ويعطيه حقّه ليميّزه عن غيره " التمهيد ص204 ونكتفي بهذين النصّين دلالةً أنّ المشدّد أبين من المخفف فلا مانع إذاً من التفريق بينهما في مراتب القلقة كما في الغنّة حيث أقوى المراتب في الغنّة هي مرتبة النون والميم المشددتين.

وعلى ما ذكرنا يظهر جلياً أن المذهب الثاني هو الأقرب إلى صواب لكونه لا يخالف نصاً من النصوص المعتبرة وهو الملموس من الناحية العملية.

ثمّ إنّ الخلاف في هذه المسألة لايضرّ لأنّ الخلاف فيه لفظيّ لا يترتّب عليه تغييرٌ في الصوت القرءاني وإنّما ذكرناه من باب الفائدة.

هذا ما أردتّ قوله باختصار في هذه المسألة ولا أدّعي الكمال فيما ذكرت وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحي شريف الجزائري.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير