[طلب القراءة من حسن الصوت من عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[28 Oct 2005, 06:09 ص]ـ
قال النووي رحمه الله في المجموع: (يسن تحسين الصوت بالقراءة , للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه ... ويسن طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها ; وهذا متفق على استحبابه , وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين. وفي الصحيحين {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود , اقرأ علي القرآن فإني أحب أن أسمعه من غيري , فقرأ عليه من سورة النساء حتى بلغ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}. والآثار فيه كثيرة مشهورة).
قال ابن العربي المالكي رحمه الله عند ذكره للمسائل التي دل عليها قول الله تعالى: ? وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ? (سبأ:10):
(المسألة الثانية: وفيه دليل الإعجاب بحسن الصوت , وقد روى عبد الله بن مغفل قال: {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته أو جمله وهي تسير به , وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع , ويقول آه} , واستحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالألحان والترجيع , وكرهه مالك. وهو جائز {لقول أبي موسى للنبي عليه السلام: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا} ; يريد لجعلته لك أنواعا حسانا , وهو التلحين , مأخوذ من الثوب المحبر , وهو المخطط بالألوان. وقد سمعت تاج القراء ابن لفتة بجامع عمرو يقرأ: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك}. فكأني ما سمعت الآية قط. وسمعت ابن الرفاء وكان من القراء العظام يقرأ , وأنا حاضر بالقرافة: فكأني ما سمعتها قط. وسمعت بمدينة السلام شيخ القراء البصريين يقرأ في دار بها الملك: {والسماء ذات البروج} فكأني ما سمعتها قط حتى بلغ إلى قوله تعالى: {فعال لما يريد} فكأن الإيوان قد سقط علينا. والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن , وما تتأثر به القلوب في التقوى فهو أعظم في الأجر وأقرب إلى لين القلوب وذهاب القسوة منها. وكان ابن الكازروني يأوي إلى المسجد الأقصى , ثم تمتعنا به ثلاث سنوات , ولقد كان يقرأ في مهد عيسى فيسمع من الطور , فلا يقدر أحد أن يصنع شيئا طول قراءته إلا الاستماع إليه. وكان صاحب مصر الملقب بالأفضل قد دخلها في المحرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وحولها عن أيدي العباسية , وهو حنق عليها وعلى أهلها بحصاره لهم وقتالهم له , فلما صار فيها , وتدانى بالمسجد الأقصى منها , وصلى ركعتين تصدى له ابن الكازروني , وقرأ: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} فما ملك نفسه حين سمعه أن قال للناس على عظم ذنبهم عنده , وكثرة حقده عليهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}. والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى , وزيادة في الخلق ومنة. وأحق ما لبست هذه الحلة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله ; فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضي بها حق النعمة.)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Oct 2005, 11:59 م]ـ
جزاك الله خيراً يا أبا مجاهد على هذه النادرة.
وقد مر معي أثناء قراءتي للبداية والنهاية لابن كثير وصفه لكثير من المترجمين والقراء بحسن الصوت، وذكره لقصص من هذا الباب. ومن ذلك قوله في ترجمة محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة: (أبو بكر الأدمي صاحب الألحان كان حسن الصوت بتلاوة القرآن، وربما سمع صوته من بُعدٍ في الليل. وحج مرة مع أبي القاسم البغوي، فلما كانوا بالمدينة دخلوا المسجد النبوي، فوجدوا شيخا أعمى يقص على الناس أخباراً موضوعة مكذوبة، فقال البغوي: ينبغي الإنكار عليه. فقال له بعض أصحابه: إنك لست ببغداد يعرفك الناس إذا أنكرت عليه، ومن يعرفك هنا قليلٌ، والجمع كثير، ولكن نرى أن تأمر أبا بكر الأدمي فيقرأ.
فأمره فاستفتح، فقرأ، فلم يتم الاستعاذةَ حتى انجفل الناسُ عن ذلك الأعمى وتركوه، وجاؤا إلى أبي بكر، ولم يبق عند الضرير أحد، فأخذ الأعمى بيد قائده وقال له: اذهب بنا فهكذا تزول النعم) وفي هذا دلالة على حسن صوته، وجماله. ونسأل الله الإخلاص لنا ولجميع المسلمين، فإن كثيراً من القراء ذوي الصوت الحسن، يكثر عليهم الناس، ويجتمع ورائهم خلائق لا يحصون، مما قد يكون مدخلاً للشيطان عند بعضهم عصمهم الله ووفقهم، وقد شهدت وصليت وراء عدد من أولئك القراء المتقنين ذوي الأصوات الحسنة، وإن لتجد للقرآن لذة ورائهم، لما للصوت الحسن من التأثير في تدبر القرآن، والإنصات له. وقد ذكر ابن كثير في ترجمة القارئ السالف أنه (رآه بعضهم في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟
قال: وقفني بين يديه، وقاسيت شدائد وأهوالا.
فقلت له: فتلك القراءة الحسنة؟ وذلك الصوت الحسن؟ وتلك المواقف؟
فقال: ما كان شيء أضر علي من ذلك؛ لأنها كانت للدنيا.
فقلت: إلى أي شيء انتهي أمرك؟
فقال: قال الله عز وجل: آليت على نفسي أن لا أعذب أبناء الثمانين).
أسأل الله للجميع التوفيق والقبول في هذه الليالي المباركة (العشر الأواخر من رمضان 1426).